المنح الخارجية: كأنها قدر!
جمانة غنيمات
جو 24 : قبل الأزمة المالية العالمية بسنوات، بدأت تخرج أصوات حكومية وشعبية تطالب بضرورة الاعتماد على الذات، والتخلي عن فكرة الحصول على المنح والمساعدات المالية الخارجية، العربية والأجنبية.الدعوات المطالبة بتخفيض الاعتماد على الخارج، تؤمن أن الفكرة تُضعِف استقلالية القرار، بما فيه السياسي، وتبقي الأردن تابعا.
الصوت ارتفع بشكل غير مسبوق في فترة النمو الاقتصادي 2004-2007، حتى جاءت الأزمة المالية في الربع الأخير من العام 2008، فعادت المطالبة بالمنح لتتصدر المشهد، باعتبارها حاجة ملحة لتجاوز تبعات الأزمة الثقيلة.في فترة النمو، كانت الأرقام تؤشر إلى تراجع المنح والمساعدات بحيث لم تعد تشكل إلا نسبة قليلة من إجمالي الموازنة العامة، وبلغت أدنى مستوياتها في العام 2007، بقيمة تبلغ 304 ملايين دينار من أصل موازنة حجمها 4 مليارات دينار.جاءت الأزمة، وصدمت المسؤولين المحليين والعرب والأجانب.
واختلفت التقييمات محليا؛ إذ رأى البعض أنها فرصة لن تُعوض، معتقدا أن الأردن سيستفيد منها. كيف؟ لا أحد يدري.بالمحصلة، جاءت النتائج كارثية، وبدأت المؤشرات تشهد تراجعا كبيرا، لاسيما تلك المتعلقة بحوالات العاملين في الخارج، والإيرادات السياحية. ودخل النمو في حالة تباطؤ، أضعف قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل.في تلك الفترة، تجددت المطالبات والأمنيات بالحصول على مساعدات ومنح عربية، تساعد على التخفيف من تبعات الأزمة العالمية. وبالفعل، حصل الأردن في حينه على منح سعودية بقيمة مليار دولار.
لم تكد تنتعش الآمال بإمكانية تجاوز الأزمة، حتى بدأت ثورات "الربيع العربي" من تونس. لكن الضربة القوية من هذه الثورات جاءت من مصر، خصوصا بعد انقطاع الغاز القادم منها، والذي يعتمد عليه البلد واقتصاده بشكل كلي لإنتاج الطاقة.الضربات التي جاءت متتالية، تزامنت مع ضعف أداء حكومي في تحقيق إصلاحات داخلية توفر إيرادات إضافية للخزينة، وتقلص حجم الإنفاق الذي ارتفع بشكل ملحوظ نتيجة إعادة الهيكلة التي خضع لها القطاع العام، والاستجابة لكثير من المطالب العمالية المالية التي نشطت في ظل "الربيع" مسجلة رقما قياسيا في عددها.
بالمقارنة بين تبعات الأزمة العالمية و"الربيع العربي"، كان الأخير أكثر قسوة. وتوسّعت مشكلة الأردن إلى حدود الخطر، لدرجة وضعت الأيدي على القلوب خشية من تهديدات تطال الاستقرار المالي والنقدي، وصولاً إلى تكرار أزمة العام 1989، رغم أنه السيناريو الذي لم يكن مستبعدا إبان الأزمة العالمية وبعدها، لكن بدرجة أقل بكثير.
مع كل هذه التطورات، أصبح الاقتصاد على الحافة، وبدأ الجميع بمن فيهم رافضو فكرة المساعدات الخارجية، يتمنون الحصول عليها، باعتبارها الأداة الأسرع والأكثر فاعلية لحماية الاقتصاد من التدهور.دعم الفكرة أيضا عدم الثقة بالإمكانات المحلية لحل أزمة الطاقة؛ فمشاريع هذا القطاع التي تساعد في تخفيف الاعتماد على الغاز المصري، كانت إما موضوعة على الرّف أو متأخرة، ما أدخل البلد في دوامة أزمة كلفتها اليومية تبلغ خمسة ملايين دولار.هكذا، لم يعد أمام المطالبين بوقف الاعتماد على الخارج إلا الاستسلام، خصوصا أن الإيرادات المحلية تراجعت أيضاً عن المقدر.
في الأثناء، أشعل أطفال درعا شرارة الثورة السورية. واتسع مدى الصراع في الجارة الشمالية، مشكلاً ضربة جديدة لفكرة الاعتماد على الذات، بعد أن فاق عدد اللاجئين السوريين كل التوقعات، متجاوزا نصف مليون لاجئ. بل تضاعفت الحاجة إلى منح خارجية لمساعدة الأردن على مواجهة هذا التحدي الذي قفز بالنمو السكاني، بشكل مفاجئ، بحوالي 10 % من إجمالي السكان.
لم تساعد الظروف على إنجاح فكرة الاعتماد على الذات؛ إذ جاء الفشل بداية بعد الأزمة العالمية، وتلقت بعدها ضربة قاضية من "الربيع العربي" جعلت المساعدات مكونا أساسيا في الموازنة العامة، وموردا رئيسا للإيرادات، وكأن المنح الخارجية قدر يصعب التخلي عنه؟
(الغد)
الصوت ارتفع بشكل غير مسبوق في فترة النمو الاقتصادي 2004-2007، حتى جاءت الأزمة المالية في الربع الأخير من العام 2008، فعادت المطالبة بالمنح لتتصدر المشهد، باعتبارها حاجة ملحة لتجاوز تبعات الأزمة الثقيلة.في فترة النمو، كانت الأرقام تؤشر إلى تراجع المنح والمساعدات بحيث لم تعد تشكل إلا نسبة قليلة من إجمالي الموازنة العامة، وبلغت أدنى مستوياتها في العام 2007، بقيمة تبلغ 304 ملايين دينار من أصل موازنة حجمها 4 مليارات دينار.جاءت الأزمة، وصدمت المسؤولين المحليين والعرب والأجانب.
واختلفت التقييمات محليا؛ إذ رأى البعض أنها فرصة لن تُعوض، معتقدا أن الأردن سيستفيد منها. كيف؟ لا أحد يدري.بالمحصلة، جاءت النتائج كارثية، وبدأت المؤشرات تشهد تراجعا كبيرا، لاسيما تلك المتعلقة بحوالات العاملين في الخارج، والإيرادات السياحية. ودخل النمو في حالة تباطؤ، أضعف قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل.في تلك الفترة، تجددت المطالبات والأمنيات بالحصول على مساعدات ومنح عربية، تساعد على التخفيف من تبعات الأزمة العالمية. وبالفعل، حصل الأردن في حينه على منح سعودية بقيمة مليار دولار.
لم تكد تنتعش الآمال بإمكانية تجاوز الأزمة، حتى بدأت ثورات "الربيع العربي" من تونس. لكن الضربة القوية من هذه الثورات جاءت من مصر، خصوصا بعد انقطاع الغاز القادم منها، والذي يعتمد عليه البلد واقتصاده بشكل كلي لإنتاج الطاقة.الضربات التي جاءت متتالية، تزامنت مع ضعف أداء حكومي في تحقيق إصلاحات داخلية توفر إيرادات إضافية للخزينة، وتقلص حجم الإنفاق الذي ارتفع بشكل ملحوظ نتيجة إعادة الهيكلة التي خضع لها القطاع العام، والاستجابة لكثير من المطالب العمالية المالية التي نشطت في ظل "الربيع" مسجلة رقما قياسيا في عددها.
بالمقارنة بين تبعات الأزمة العالمية و"الربيع العربي"، كان الأخير أكثر قسوة. وتوسّعت مشكلة الأردن إلى حدود الخطر، لدرجة وضعت الأيدي على القلوب خشية من تهديدات تطال الاستقرار المالي والنقدي، وصولاً إلى تكرار أزمة العام 1989، رغم أنه السيناريو الذي لم يكن مستبعدا إبان الأزمة العالمية وبعدها، لكن بدرجة أقل بكثير.
مع كل هذه التطورات، أصبح الاقتصاد على الحافة، وبدأ الجميع بمن فيهم رافضو فكرة المساعدات الخارجية، يتمنون الحصول عليها، باعتبارها الأداة الأسرع والأكثر فاعلية لحماية الاقتصاد من التدهور.دعم الفكرة أيضا عدم الثقة بالإمكانات المحلية لحل أزمة الطاقة؛ فمشاريع هذا القطاع التي تساعد في تخفيف الاعتماد على الغاز المصري، كانت إما موضوعة على الرّف أو متأخرة، ما أدخل البلد في دوامة أزمة كلفتها اليومية تبلغ خمسة ملايين دولار.هكذا، لم يعد أمام المطالبين بوقف الاعتماد على الخارج إلا الاستسلام، خصوصا أن الإيرادات المحلية تراجعت أيضاً عن المقدر.
في الأثناء، أشعل أطفال درعا شرارة الثورة السورية. واتسع مدى الصراع في الجارة الشمالية، مشكلاً ضربة جديدة لفكرة الاعتماد على الذات، بعد أن فاق عدد اللاجئين السوريين كل التوقعات، متجاوزا نصف مليون لاجئ. بل تضاعفت الحاجة إلى منح خارجية لمساعدة الأردن على مواجهة هذا التحدي الذي قفز بالنمو السكاني، بشكل مفاجئ، بحوالي 10 % من إجمالي السكان.
لم تساعد الظروف على إنجاح فكرة الاعتماد على الذات؛ إذ جاء الفشل بداية بعد الأزمة العالمية، وتلقت بعدها ضربة قاضية من "الربيع العربي" جعلت المساعدات مكونا أساسيا في الموازنة العامة، وموردا رئيسا للإيرادات، وكأن المنح الخارجية قدر يصعب التخلي عنه؟
(الغد)