الكلاب الضالة... !!
حاتم الأزرعي
جو 24 :
باتت ظاهرة الكلاب الضالة تتفاقم وتؤرق ، ونشاهد يوميا ونسمع ونقرأ عن قصص مؤلمة لأناس طالتهم انيابها وخطت بمخالبها على اجسادهم صورا مشوهة ، لحضور هذه الكلاب الطاغي في الحارات والازقة بين البيوت وداخلها .
والحديث عن الكلاب الضالة يأخذني بالتداعي الحر عنوة الى أبعاد ومقاربات اخشى البوح بها واتحاشاها كي لا أقع في شباك قانون الجرائم الإلكترونية وحبائل دعاة الرفق بالحيوان .
وبطبيعة الحال ، وفي سياق الخوف المزدوج من الشباك والحبائل ، فإن الحديث هنا ينصب على حالات عقر الكلاب الضالة ، وليس له من قريب أو بعيد ، اي علاقة بالعقر بأبعاده المجازية ، فلست ‐ولن ‐ اتحدث عن عقر الساسة وسماسرة الارض والزرع والضرع ، وإن كان عقرهم العن وأشد !! .
وعود على بدء ، فقد حرك الرغبة في الكتابة عن الكلاب الضالة ، ظاهرة انتشارها ، وشكوى الناس ، والوقائع التي يسوقونها والقصص الحقيقية عن ضحاياها والمآسي التي خلفتها ، إذ حدثتني زميلة عاملة في أحد المستشفيات الحكومية في محافظة اربد ، عن إدخال طفل للمستشفى في وضع سيء ، بعد ان نهش كلب ضال وجهه، فيما أودى كلب ضال في محافظة اخرى ،خلال الأيام القليلة الماضية بحياة طفل، وحالات العقر في انحاء مختلفة من المملكة لن تتوقف ، ما دامت الكلاب تسرح وتمرح تحت غطاء الرفق بالحيوان وحماية جماعة الصوت العالي من ذوي الاحساس المرهف ، في غير محله وموضعه.
ولست ضد الرفق بالحيوان ، وارى في الكلاب ،على سبيل المثال لا الحصر، خصالا قلما تجدها لدى المسعورين من البشر من " اكلة لحم " ابناء جلدتهم ، لكن حين يشكل" الحيوان " اي كان شكله خطرا على الإنسان، لا يعود يعنيني ولست مع حمايته .
تشير مصادر في وزارة الصحة وفق تقرير منشور اخيرا الى وقوع نحو 6 آلاف حالة عقر سنويا في المملكة، بسبب الكلاب الضالة، وتبلغ كلفة علاج حالة العقر نحو 650 دينارا، وتصل الكلفة السنوية لعلاج حالات العقر نحو 3 ملايين دينار .
نحن إزاء كلفة مالية باهظة لعلاج حالات عقر الكلاب الضالة، تتحملها موازنة الدولة، وهي في المحصلة من جيوب الناس وعوضا من ان توجه لخدمة احتياجاتهم الاساسية فإنها تنفق لعلاج ضحايا إهمال الجهات الرسمية المعنية التي تتلكأ عن اداء دورها تحت ذرائع ومبررات غير مقبولة لأنها تترك للكلاب الضالة الحبل على الغارب في مهاجمة الناس عموما ونهش اجساد الاطفال خصوصا وتهشيمها .
ومن المهم التذكير بأن المسألة لا تقف عند حدود الانفاق والخسائر المالية ، بل تتعداها إلى ما هو اهم فالتعرض للعقر ربما يتسبب بمرض خطير ومعد وقد يؤدي إلى الوفاة، والأكثر أهمية قبل وبعد ذلك كله تشويه الجسد والآثار النفسية البالغة التي تتركها الانياب والمخالب في المعقور وذويه والمجتمع.
والغريب ان جماعة الرفق بالحيوان تتعامى عن المآسي التي تخلفها الكلاب الضالة ، ولا ترى آثار مخالبها وانيابها المغروسة في اجساد المعقورين وارواحهم، وتسوق حلولا عقيمة لمكافحة الظاهرة ، نرى نتائجها في تكاثر الكلاب الضالة وانتشار قطعانها وامعانها في العقر وسقوط مزيد من الضحايا كل يوم .
ومقاربة اخيرة فرضها التداعي الحر للافكار والابعاد والمعاني ، التي تولدها الكلاب الضالة ،فأرى شبها كبيرا بين حلول المكافحة التي تطرحها جماعة الرفق بالحيوان والجهود الرسمية لمكافحة الفساد ، وتخريجات التعامل مع الفاسدين .
لمكافحة الكلاب الضالة يطرح الرفقاء بها حلا علميا عمليا ، ويقولون أن هذه الكلاب "تتسم بالمناطقية حيث تحمي مناطقها، فعند قتلها تحتل مكانها مجموعة جديدة تدخل من مناطق أخرى، لذلك فإن الحل لا يكمن في القتل، وإنما في السيطرة على تكاثرها (تعقيمها ) وتطعيمها واطلاقها في أماكنها ".
ويبدو أن الجهات التي تكافح الفساد تؤمن بذات النهج في التعامل مع الفاسدين ، فهي تدرك انهم " مناطقيون " يحمون مناطق سيطرتهم، وعندما يسقط احدهم أو مجموعة منهم ، يحل مكانهم آخرون من مناطق اخرى ، فالحل لا يأتي بالقضاء عليهم ، بل بالسيطرة على تكاثرهم بالتعقيم وإصلاح حالهم بمطعوم الموعظة الحسنة والكلمة الطيبة ومن ثم إعادتهم الى مناطقهم ، لكننا في الواقع لا نسلم من عقرهم ونرى أثار انيابهم ومخالبهم في لقمة عيشنا !! .
المهم في مكافحة الكلاب الضالة أن هناك من ينفذ دراسة " علمية لتعداد الكلاب " وتحديدا في محافظة اربد ، وتشير نتائجها الاولية ، وفقا لتصريحات القائمون عليها إلى " وجود 5 كلاب " لكل كيلو متر مربع في إربد، وللحقيقة لست ادري عن أي كلاب يتحدثون هنا !! .
والمبشر في مسألة فهم الظاهرة وإيجاد الحلول العلمية والعملية لوقف انتشارها والحد من تفاقمها أن اجتماعات على مستوى وزاري كانت قد عقدت من أجل " وضع أطر واضحة وتنسيق شامل للسيطرة على مشكلة انتشار الكلاب الضالة " ومرة اخرى لست متأكدا اذا كانت هذه الاجتماعات اخذت في اعتبارها كل الكلاب ام أن محور اهتمامها الضالة منها فقط !!.
على اي حال ، فإن ظاهرة الكلاب الضالة وغير الضالة على حد سواء بحاجة للحل على مستوى اعلى من مجرد وزاري ، فهي تشكل خطرا على الصحة العامة والمجتمع ، ولعلي اقترح ان تعقد الاجتماعات على مستوى رئيس الحكومة ، وان يظهر العين الحمرا في مكافحة الكلاب الضالة ، فترتد انيابها ومخالبها الى نحورها ، ونسلم واطفالنا من اذاها ، لكن ما اخشاه أن لا تحقق هذه العين مبتغاها، وتمعن الكلاب في غرس انيابها في أجسادنا .