jo24_banner
jo24_banner

يوم المعلم العالمي.. فرصة لإعادة التفكير في أهمية المعلم وأثره في النظام التعليمي

د. محمد أبو غزلة
جو 24 :



على الرغم من التغيرات وفي الأدوار والمهام نتيجة الثورات الصناعية المتتالية والبرمجيات والمصادر والوسائل التقنية البديلة للمعلمين إلا أنها مازالت تؤكد على أهمية أنسنة العمل وتؤكد على دور الإنسان في أي عمل، ولأن المعلم هو من يسهم في انتاج المعرفة وهي القوة الحقيقية الآن، فالمعلم هو الذي يقود عملية التطوير والتغيير في مجتمعه ومدرسته وفي حيه، وبالتالي في الحياة، ولأنه الركن الأساس في إعداد وتنشئة الأجيال ليسهموا في قيادة التغيير في مستقبل أوطانهم، فمن هنا فإن أي عملية تغيير في النظام التعليمي لا يمكن أن تحدث إلا من خلال المعلم، و ليس مصادفة أن تجتمع معظم دول العلم على الاحتفال باليوم العالمي للمعلمين سنويا في 5 أكتوبر في جميع أنحاء العالم، والذي يأتي بالذكرى السنوية لاعتماد توصية منظمة العمل الدولية/اليونسكو لعام 1966 بشأن وضع المعلمين، والتي حددت معايير حقوق المعلمين ومسؤولياتهم، ومعايير إعدادهم الأولي ومواصلة تعليمهم، والتوظيف، وظروف التدريس والتعلم ، وتنبع أهمية هذا الاحتفال باليوم العالمي للمعلمين منذ عام 1994، من أجل إظهار مكانة المعلم في المجتمع ودوره الكبير فيه، وأيضا اعترافا بالجهود الكبيرة التي يبذلها في سبيل تعليم الأطفال وتنشئتهم وبناء أجيال المستقبل والتي من خلالهم ننهض المجتمعات ونسير بها على طريق التطور والحضارة والرقي بالأوطان لأنهم مفاتيح التحول والتغيير في كل المجتمعات.

يأتي الاحتفال بيوم المعلم لهذا العام وفي جميع أنحاء العالم في ظل ما تشهده الأنظمة التعليمية من نقص في أعداد المعلمين المؤهلين والراغبين بممارسة مهنة التعليم والتي أصبحت تشكل عاملا لهجرة الكثيرين من المعلمين لمهن أخرى دون وجود أي إجراءات تحد من ذلك على الرغم من ايمان كل الدول بأن المعلمين هم القادرون على إحداث التأثير التحويلي في حياة الناس والأفراد، وهم القادرون على المساهمة في تشكيل المستقبل، لذا تبنت المنظمة العالمية اليونسكو شعار "المعلمون الذين نحتاجهم للتعليم الذي نريده" والذي يعكس الضرورة العالمية لحاجتنا إلى تعليم نوعي من معلمين نوعيين، وأيضا لعكس اتجاه النقص في أعداد المعلمين و التركيز على أهمية وقف الانخفاض في عدد المعلمين ومن ثم البدء في زيادة هذا العدد في جميع أنحاء العالم، وعليه أرى أن جميع الاحتفالات التي تدعو إليها منظمة اليونسكو سنويا بهذه المناسبة وتحت شعارات مختلفة تدعو جميعها إلى تعظيم حقوق المعلمين ومسؤولياتهم وتطوير اداءاتهم ، وتحسين ظروف أعمالهم ، وتوفير البيئات التعليمية للعمل للرقي بهذه المهنة لتكون مهنة كريمة وقيمة وجاذبة مما يعني ضرورة حل جميع التحديات التي تواجهه المعلمين، لأن مهنة التعليم والعاملين فيها ما زالوا يتعرضون إلى الكثير من المشكلات، ولعل المشكلة المطروحة الآن ومن وجهة نظري هي الأبرز وتدل على ما تتعرض له المهنة بشكل خاص من هجر لها وهي تواجه نقصا غير مسبوق في أعداد المعلمين وبدأ النقص يتفاقم بسبب تراجع ظروف عملهم ومكانتهم في بعض الدول.

وعلى صعيد النظام التعليمي الأردني ورغم السياسات والبرامج ومجالات الدعم والحوافز والفرص التي تقدم للمعلمين من داخل الوزارة وخارجها لإبراز جهودهم والاحتفال بهم إلا أن نظامنا التعليمي ما زال يعاني من مشاكل متعددة ولعل مشكلة نقص المعلمين في جميع التخصصات واللجوء إلى التعليم الإضافي الذي أصبح من العوامل الرئيسة المؤثرة في نوعية التعليم المقدم للطلبة وسبب من أسباب تراجع الأداء التعليمي في الدولة، ناهيك عن سوء استثمار المعلمين وتوزيعهم في المدارس وكثرة المدارس المستأجرة المنتشرة والمدارس ذات الأعداد القليلة وغيرها من العوامل والتي أثقلت كاهل النظام التعليمي إضافة إلى مشكلات تتعلق بضعف التدريب والتأهيل للمعلمين إضافة التحديات الإدارية والتقنية التي أصبحت تواجه مهنة التعليم، نتيجة سياسات أو عوامل داخلية وخارجية تتعلق بالنظام التعليمي مثل الهجرات القسرية والهجرات الداخلية، ومحدودية المخصصات المالية أدت إلى وجود فجوة تتعلق بالمعلمين كماً ونوعا وباعتقادي هي التحدي الأبرز الذي يواجه العالم والأردن لأن النقص لم يعد يقتصر على العدد الكافي من المعلمين، بل لأن نسبة من المعلمين لم يتلقوا التدريب الكافي والجيد لمزاولة مهنتهم ولذا فإن على القائمين على النظام التعليمي اعتماد سياسات وطنية شاملة خاصة بالمعلمين، تشمل أوسع مجموعة من الجوانب التربوية والفنية والإدارية المترابطة التي تؤثر في المعلمين ومهنة التعليم، لتكون أكثر الوسائل فعالية لسد أوجه النقص ونوعية المعلمين والتعليم كما من المهم أن يتم تطبيق سياسات وخطط وبرامج تربوية وتكنولوجية وأدوات داخلية تعظم من المهنة وتبرز دور المعلمين وتحفزهم وتشجعهم على الاستمرار في مهنة التعليم والاحتفاظ بهم حتى لا يكونوا عرضة للإقصاء والتهجير القسري أو الاستقطاب الخارجي وحتى الداخلي وبالتالي الدفع بهجرة الكفاءات التي ستؤدي لمزيد من النقص في اعداد المعلمين وبالتالي هجرة التعليم والتأثير على نوعية التعليم.

اعتقد أن هناك ضرورة لوضع وتطبيق الممارسات الملهمة لجذب المعلمين والاحتفاظ بهم وتحفيزهم ونشر مواهبهم ومهنتهم وتعظيم أدوارهم وممارساتهم المهنية الفاعلة وتبادلها بينهم وعقد الأنشطة المختلفة لخلق التنافس الإيجابي بينهم وإدماجهم في كل سياق تعليمي، مع مراعاة النوع الاجتماعي والوضع الاجتماعي والاقتصادي والقدرة للمعلمين وغير ذلك من العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى الاستقطاب و الحفاظ عليهم وسد النقص ، لسد الفجوات في أعداد المعلمين المؤهلين ، ولعل اتاحة الفرصة للمعلمين للمشاركة في وضع سياسات التدريس وتنفيذها وتقييمها ستعزز الفرص المنصفة لجميع المعلمين، وبالتالي الحد من النقص المتزايد في استقطاب المعلمين وإعدادهم ونشرهم في جميع المدارس كما على الوزارة إعادة دراسة توزيع المعلمين على المدارس واستثمارهم، والعمل على سياسة دمج المدارس القليلة التي عملت بها وتوقفت بسبب الضغوط الشعبية ، كما على الوزارة أن تعمل على وقف التحول إلى الوظائف الإدارية داخل الوزارة أو النقل لخارجها، والبحث عن مصادر للتمويل للتخلص من التعيين على التعليم الإضافي، والتسريع بإقرار المسار المهني المبني على الحوافز كما على القائمين على النظام التعليمي التركيز على أهمية بناء الثقة مع المعلمين كمنتجين للمعرفة وبصفتهم الشركاء الأساسيين في عملية التعلم ،والاحتفال بإنجازاتهم من أجل جذبهم إلى مهنة التعليم وبالتالي تقديرهم، وإعادة المكانة و توفير الاحترام وبناء الثقة والتقدير والدعم الفعال لهذه المهنة ومن الجميع ، و يجب أن تستمر الدعوات للتفكير في الدعم الذي يحتاجون والذي لن يتحقق إلا من خلال إبقاء قضايا المعلم على رأس جدول أعمال الحكومات في دعمها للتعليم ، وزيادة المخصصات المالية لحل أزمة النقص الحاصلة في أعداد المعلمين وفي تنميتهم، وتمكينهم من الحصول على الأدوات التي يحتاجونها لتحمل المسؤولية في المستقبل عن أنفسهم وتجاه الآخرين وتجاه مجتمعاتهم، وتجاه الإنسانية جمعاء.

ولأننا نريد أن ينعم أبنائنا بتعليم جيد ومنصف فإن التعليم الذي يشمل الجميع ويمنحهم فرصةً منصفةً للتعلم لا يمكن تحقيقه من دون ضمان حصول الجميع على معلمين أكْفاء انطلاقا من قناعة بأن المعلم هو عنصر حاسم في اصلاح ونجاح العملية التعليمية، وبأنه المحرك والموجه الأساس لتحقيق أهدافها، فإن أي إصلاح وتطوير للعملية التربوية التعليمية ستتم من خلاله لأنه القادر على جعل مهنة التعليم مهنة جاذبة ، وعليه يجب أن نستثمر هذه المناسبة والتي أكدت دور المعلم في التعليم، بأن نبدأ بالفعل بالتحول الجذري في النظرة للمعلم وتمكينه حتى يتكمن من أداء أدواره المختلفة بإثراء التعليم، والتركيز على نوعية المعلمين في عمليات التوظيف والتفكير في طرق حفزهم و استقطابهم وترقيتهم اذا أردنا أن نحل مشكلة النقص في المعلمين المؤهلين والراغبين بالتعليم ، كما لا بد من إعادة التفكير في الطريق إلى المستقبل لهذه المهنة وإعادة التفكير في أثر العاملين فيها على مستقبل كل دولة إذا أردنا تعليم يرسم ويشكل المستقبل للدولة، ولعل إعادة النظر في الركن الأساس في التعليم وهو المعلم هو السبيل للتطوير مع التأكيد على أن تطوير التعليم مسؤولية عامة ومشتركة بين الجميع مما يتطلب تضافر جهود الدولة والمؤسسات والأفراد بهدف تسريع عملية تجويد التعليم وتأمينه بجميع متطلبها وأهمها المعلم وإتاحته للجميع بالمستوى المطلوب وعلى امتداد المحافظات.

إن التعليم والمعلم صنوان فهما السفينة والقبطان لنقلنا وحمايتنا من المشكلات التي تواجهنا حاليا، وهما ما سيمكننا من الاستجابة لمستجدات سوق العمل، والمعارف والمهارات الجديدة التي يحتاجها الطلبة، والمعرفة الجديدة حول التعلم، لذا علينا منح المعلمين والاستقلالية وفرص التعلم خلال العمل ليمتلكوا المهارات الناعمة والقوية ومنحهم الفرصة للمساهمة في اتخاذ القرار، فالتفكير الأحادي القائم على أننا نستطيع أن نتدبر أمرانا في التعليم دون معلمين بالاعتماد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة لا يمكن أن ينجح لأنه يغيب عنه الابداع والتعاطف والتخيل ومنظومة القيم والاخلاق التي تجعل من التعليم ذا معنى للمتعلمين وعليه لا بد من المواءمة بين ما يتضمنه عصر التحول الرقمي وبين أهمية الاستثمار في الموارد البشرية وخاصة المعلمين وتوفير الثقة فيهم وعندها نستطيع أننا نحافظ على معلمين مؤهلين راغبين في مهنة التعليم مسخرين التقنية لمواكبة كافة التغييرات المستقبلية لتحقيق رؤية جلالة الملك حفظه الله فيما ذهب إليه في رسالته "نريده مستقبلا نستعيد فيه صدارتنا في التعليم، وننهض فيه باقتصادنا، وتزداد فيه قدرات قطاعنا العام وفاعليته، ويزدهر فيه قطاعنا الخاص". ، وأيضا ما وجه به الحكومة مؤخرا على ضرورة تكثيف التوعية لتسهيل عملية التغيير في النظام التعليمي بعناصره كافة ومنها المعلم ، طالبا من الحكومة منح الأولوية لتطوير النظام التعليمي ، وهذه الرسائل وغيرها من اجل الاستثمار في الموارد البشرية ومنها المعلم الكفوء المحفز الراغب بمهنة التعليم فهل لدينا العزم والإرادة لنبدأ ونضع السياسات الخاصة باستقطاب وحفز المعلمين والخطط والبرامج الكفيلة بجذب المعلمين وتنميتهم وتحفيزهم والاحتفال بهم والاعتراف بأدوارهم والحفاظ عليهم لسد النقص المتزايد يوما بعد يوم ونحافظ على مهنة التعليم كمهنة جاذبة للمعلمين لتساهم في تشكيل المستقبل الذي نريده لوطننا.


* الكاتب خبير تربوي/ مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي سابقا

 
تابعو الأردن 24 على google news