حل الدولتين واستراتيجية تقليص الصراع
جو 24 :
ان غالبية القادة الإسرائيليين تدعم مقاربة ( تقليص الصراع ) كل لدوافعه ومبرراته ، فهم وان اختلفوا على طريقة الحل الا انهم متفقون على مبدأ تقليص الصراع كخيار مطروح كحل للصراع العربي الاسرائيلي.
ويبدو ان هذه هي السياسة الفعلية الاسرائيلية التي يواجهها الفلسطينيون خصوصاً ان حل الدولتين قد تضاءل حتى ولو بشروط مجحفة، حيث لم يعد يأخذ به اي سياسي اسرائيلي وجرى تهميشه بطريقة مدروسة وممنهجة، ففي ظل عدم وجود شريك اسرائيلي له القدرة على اتخاذ قرار اقامة دولة فلسطينية مستقلة لها حدودها ومعابرها على الارض واقتصادها الحر المستقل عن الكيان الغاصب، ازدهرت فكرة تقليص الصراع وجرى تغذيتها لتكون البديل عن حل الدولتين تعمل عليه اسرائيل وسائر شركائها الغربيين.
يعود مفهوم تقليص الصراع الى المفكر الاسرائيلي ميخا غودمان المختص في التاريخ اليهودي، والذي يرى ان حل الدولتين سيؤدي الى تهديد امن اسرائيل سيما ان الضفة الغربية قريبة جدا من المدن الاسرائيلية المكتظة بالسكان التي تعتبر عصب الحياة للكيان الغاصب، الامر الذي يخشى معه خروج المقاومة من عقالها ومهاجمة اسرائيل وما يترتب على ذلك من نتائج مكلفة لا يمكن تحمل تداعياتها، ومن جانب اخر اذا لجأت اسرائيل الى خيار الضم للضفة الغربية وخلق كيان سياسي جديد كدولة متعددة الاثنيات فأن ذلك سيطمس معالم يهودية الدولة بسبب البعد الديمغرافي ، وهو لا يمكن الموافقة علية من اليمين المتطرف الذي يتحكم بكافة مفاصل الكيان الغاصب، وتزداد قوته مع الايام بحكم سيطرته على الكنيست وهو من يفرخ الحكومات التي تنعق بصوته ولا تخرج عن إملاءاته.
وفي ضوء ذلك يقترح ميخا غودمان ما يعتبره حلاً وسطاً مرضيا للأطراف من وجهة نظره، حيث يرى ان فكرة تقليص الصراع التي تقوم على توفير سبل العيش الكريم للفلسطينيين وتجاوز العقبات التي تعترض ذلك، من خلال ضمان حرية التنقل والاستقلال الاقتصادي، وازالة كافة العوائق التي تحول دون ذلك، من خلال توفير شبكة طرق سريعة وانفاق تضمن ذلك وتحول دون الاحتكاك مع الاسرائيليين ، وتوسيع اراضي الدولة الفلسطينية بنسبة 3% لسد حاجات الزيادة الطبيعية للسكان، وحل مشكلة عشرات آلاف المساكن المقامة دون ترخيص، وتسهيل السفر عبر جسر اللنبي ومطار اللد ، وزيادة تصاريح العمل للفلسطينيين العاملين في الداخل الاسرائيلي الى 400 الف تصريح ، وتخصيص ارض لإقامة مناطق صناعية في المنطقة (ج) بدعم دولي ، وتخصيص قسم من ميناء حيفا للتجار الفلسطينيين لتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير برقابة امنية اسرائيلية، الامر الذي سيؤدي الى نهضة اقتصادية ترضي الشعب الفلسطيني ، ومن ثم يصار الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية ككيان دون حدود.
ويبدو ان هذا المنهج هو ما تبناه نتنياهو خلال فترة حكمه في ادارة الصراع حيث لجأ كخطوة اولى الى جعل حل لدولتين امراً غير ممكن ، فاستخدم ادواته وقام بخطوات دراما تيكية على الارض فوسع المستوطنات القائمة وسمح ببناء مستوطنات جديدة وقزم صلاحيات ونفوذ السلطة الفلسطينية على الارض، وانعش التعاون الامني ما بين الطرفين بما انعكس سلبا على صورتها في الشارع الفلسطيني، واشاع بوسائله الاعلامية ان هذه السلطة لا تستطيع ادارة الدولة، كل ذلك لإحداث تغيير على الارض يجعل من الانسحاب الاسرائيلي واقامة دولة فلسطينية امر غير قابل للتطبيق .
ان هذه الاستراتيجية لإدارة الصراع هي المعتمدة للحفاظ على امن اسرائيل بصرف النظر من يتزعم الدولة فهي المعول عليها كخيار لتقليص عمليات المقاومة على الارض ، فهذه الخطة وان كانت تقوم على خطوات صغيرة ومتتابعة الا انها ستحدث فرقاً على الارض من حيث النتيجة، ولهذا الغرض يتجند العديد من الاسرائيليين، انظر مثلا مبادرة تقليص ) .htt: / www. Tzim.org.ilالصراع على الرابط ( لدعم فكرة تقليص الصراع والقيام بحملات ومبادرات سياسية للترويج لهذه الخطة التي تمنح الفلسطينيين (مشاعر الحرية) حتى دون اقامة دولتهم، كما انها تضمن امن اسرائيل دون الانسحاب من المناطق (ج) حسب اتفاقيات اوسلو ، وحسب قول نفتالي بينيت رئيس وزراء اسرائيل الاسبق هي صفقة مناسبة للجميع.
امام هذه المعطيات، وما يعد في الخفاء لطرحه على مؤتمر عالمي للسلام بعد حرب غزة لفرضه كأمر واقع ضمن سياسة الممكن، في ظل عدم وجود طرف فلسطيني مؤهل للتفاوض معه، في ظل الانقسام ما بين فتح وحماس كما تروج له ماكنة الدعاية الاسرائيلية، فهل نحن متمسكون بالحق الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة ذات سيادة يعترف بها الجميع ..؟
وما هي الخيارات المتاحة لذلك ...؟، وما هي الاستعدادات الفعلية والعملية على الارض لإجهاض خطط قضم الارض الفلسطينية، ومصادرة طموح الفلسطينيين في ان يعيشوا في دولتهم بسلام، وانهاء وجود اخر استعمار على سطح الارض...؟؟؟