مظلومية اليهود والدم الفلسطيني المستباح
المحامي محمد المأمون ابو رمان
جو 24 :
عبر التاريخ هناك الكثير من الاحتلالات التي قامت لفترة اطول من الاحتلال الاسرائيلي، الا ان ما يميز الاخير انه الاكثر وحشية ودموية وبطشاً ، ويتفرد هذا الاحتلال بأنه يجعل من نفسه ضحية بل والضحية الوحيدة على مر العصور، من خلال الترويج لفكرة مظلومية اليهود عبر التاريخ وتقصد ايذائهم وقتلهم من الاغيار كما يحلوا لهم تسميتهم .
ويقوم الفكر الصهيوني لتسويق مظلومية اليهود على مر الايام وتقمص دور الضحية على عدم قدرة اليهود على الاندماج في البلدان التي يعيشون فيها، بسبب حالة العداء والرفض التي تلاحقهم ، فهم وحسب معتقدهم ضحية سلوك غير اليهود ، وتستند هذه الفكرة الى ما تعرض له اليهود من كوارث واضطهاد على مر التاريخ ، الامر الذي عمق في وجدانهم الشعور بالخوف من الابادة ، وعليه فأنه يتوجب على المشروع الصهيوني ان يوفر لهم الملاذ الآمن في فلسطين المحتلة (اسرائيل) لحكم انفسهم دون ان يكونوا تحت سطوة احد.
لقد وظفت الصهيونية العالمية ما تعرض له اليهود على مر الايام من اضطهاد وظلم لتحشيد الدعم لفكرة الدولة اليهودية على ارض الميعاد حسب عقيدتهم فلسطين، وفي سبيل ذلك وظفت الصهيونية العالمية كل ما تملك من وسائل الاعلام والنفوذ الظاهر والخفي لزرع فكرة مظلومية اليهود على مر العصور وانهم هم ضحايا البطش والنبذ والتسلط لمختلف الحضارات ، ووظفوا في سبيل ذلك ما تعرض له اليهود تاريخياً مروراً بالسبي البابلي واضطهاد روسيا القيصرية حتى المحرقة النازية ( الهولوكوست ) في العصر الحديث، الامر الذي عمق فكرة المظلومية اليهودية التي شاركت فيه البشرية جمعاء بما يدلل من وجهة نظرهم انهم ضحايا وقرابين ويتوجب على العالم ان يكفر عن خطاياه ويدعم وجود دولة مستقلة لهم ، وعلى النقيض غيبت وثائق الحرب العالمية الثانية التي ثبت من خلالها ان عدد من قتل قرابة 60 مليون شخص بسبب الحرب ، الا ان التركيز العالمي انصب على الضحايا اليهود، ومن هنا تأصلت فكرة اليهود هم ضحية الاضطهاد والكراهية من الاغيار ، الامر الذي سوغ لهم ارتكاب اية فظائع ضد الاغيار للدفاع ع انفسهم والحفاظ على وجودهم والحيلولة دون ابادتهم ، وهذا ما يفسر تمترسهم خلف هذا المفهوم لتبرير كل ما يقومون به من اعمال قتل وترويع واضطهاد دون رأفة او رحمة .
ولتحقيق هذه المقاصد زرع اليهود في ابنائهم الفكر الالغائي الذي يقوم على عدم وجود الآخر ففلسطين ارض بلا شعب يجب ان تعطى لشعب بلا ارض ، فالشعب الفلسطيني ضمن هذا المفهوم غير موجود وان كان موجوداً فهو غائب، وضمن هذا المنطق يسوغ تهجيره وطرده من ارضه.
كما عزز اليهود في ابنائهم العقلية الاستعلائية والغاء الاخر ، كونهم شعب الله المختار المفضل على العالمين بالاستناد الى نصوص توراتية محرفة ، الامر الذي يسوغ لهم استعباد بني البشر لانهم ما خلقوا الا ليكونوا مطايا وخدماً لبني اسرائيل، وضمن هذ المفهوم يجوز استحلال دمائهم واموالهم ، وتأسيساً على هذه الافكار تم تجريد الشعب الفلسطيني من انسانيته فليس ثمة قيم انسانية مشتركة تجمعهم مع الاغيار ، والفلسطيني موجود على الارض الفلسطينية كمحتل لأرض بني إسرائيل التي تعتبر وفق مفهومهم التوراتي ارض الميعاد التي وعد الله بها بني اسرائيل ويجب اقتلاعهم منها ، الامر الذي برر لهم قتل وتهجير الشعب الفلسطيني ومن بقي متمسكاً بارضه فمصيره الهلاك ولا يحق له ان يدعي انه الضحية.
وضمن ذات السياق تقول رئيسة وزراء اسرائيل غولدامائير الاكثر دموية على مر التاريخ (( اننا لن نغفر ابداً للعرب انهم اجبرونا على قتل اطفالهم ، نحن الضحايا مضطرون لقتل اطفالهم يا لبؤسنا، وبصفتنا الضحية الوحيدة في التاريخ هذا يتيح لنا الحق بالقيام بما نريده ولن يملي علينا احد ماذا نفعل لأننا الضحايا الوحيدون )).
فالعقيدة الصهيونية المتأصلة تقوم على الاعتقاد ان الفلسطينيين ليسوا بشراً ولا يمكن التعايش معهم، وهذا ما يفسر ما يحدث في غزة على الارض من قتل وتجويع وتشريد واضطهاد وهدم للوجود والهوية الفلسطينية ، وضمن هذه العقيدة ما غزة الا مرحلة من مراحل استراتيجية الصهيونية العالمية لإفراغ الارض الفلسطينية من سكانها، لعدم قدرة اليهود على التعايش مع الاغيار على ذات الارض، وقادم الايام سيثبت ان حرب غزة ما هي الا البداية ولن تنتهي بهدن او وقف مؤقت لأطلاق النار ابداً، لان المطلوب هو انهاء وجود اي سلطة للفلسطينيين في غزة في هذه المرحلة ، وان جميع القادة الصهيونيين متفقين على هذه الاستراتيجية ومن خلفهم قادة العالم من اليمين المتطرف الذي يوفر الدعم والغطاء للجرائم التي ترتكب على مرأى ومسمع العالم ، هذا ما يحدث بصرف النظر من يدير الدفة في الكبينت الاسرائيلي فهم متفقون على الهدف وقد يكونوا مختلفين على التوقيت والاسلوب فقط.