jo24_banner
jo24_banner

الخطر القادم من الغرب ..

بهاء الدين صوالحة
جو 24 :


ما الذي يفعله "نتنياهو" ومن حوله زمرته المتطرفة في الضفة الغربية، وأي سيناريو يسعى إلى ترجمته على أرض الواقع؟ إلى أين يريد أن تمتد أتون حربه على غزّة وأي نصر يراوده؟ ما الذي يشعل شهيته ويمنحها كل تلك الشهوة لمواصلة الحرب وإدامتها دون هوادة ضارباً بعرض الحائط كل النداءات "الناعمة" الموجهة إليه؟ ولماذا – إن كان في مأزق حقيقي في غزّة وشمال فلسطين – يسعى إلى إضرام جبهات أخرى للصدام وهل لديه ما يكفي من ذخيرة سياسية ولوجستية تعينه على ذلك؟

كيف ولماذا وأين ومتى وماذا وأكثر تحيط بسلوكيات هذا الكيان الإرهابي والكائن الذي على رأسه، وهي تنسف في الواقع كل الذرائع التي اختبأ خلفها في حربه ضد غزّة. فـ"الضفة" خالية من "حماس"، والمقاومة إلى حد بعيد خاملة فيها بحكم قبضة سلطة "التنسيق" المضادة في توجهاتها لكل معاني المقاومة. و في "الضفة" لا أنفاق، ولا بنادق ولا صواريخ والأهم ولا حتى "رهائن" سوى شعب الضفة نفسه الذي يقع رهينة فكي كماشة: "السلطة من ناحية" وقوات الاحتلال وعصاباته من المستوطنين من ناحية أخرى، ما يمنح ذلك في المقابل "مقاومة غزّة" نقطة لصالحها وإن كان ذلك في واقع الأمر لن يضيف الكثير على قواعد اللعبة  ، ناهيك عن الواقع الدولي المزيف الذي لم تضبطه أي أخلاق أو معايير أو قيم.

خطوة "الإحتلال" باتجاه الضفة، تعني بشكل أكيد أن حكومته غير معنية على الإطلاق بإبرام أي صفقة على ضفة "غزة"، وأن كل الأحاديث والجولات المكوكية للراعي المزمن وسلسلة جلسات المفاوضات التي تناوبتها "الدوحة" و "القاهرة"، وحتى التصريحات والتلميحات حول الخلافات الدائرة بين أقطاب حكومة "الاحتلال" كلها جميعاً لم تكن سوى لهوٍ من قبل "نتنياهو" الذي أثبت بالبرهان القاطع أنه "مايسترو محترف" يجيد تماماً لعبة "العرائس" وأنه ممسك بأوراق اللعبة كاملة.

يحيط نتنياهو نفسه بفريق وزاري متطرف من الأحزاب الدينية، وعليهم يتكئ في مقارعة خصومه ويمنحه الثبات أمام الرياح العاتية، وأيدولوجياً فالأحزاب الدينية اليهودية – وغير اليهودية – تضع الفرد في خدمة المشروع الأكبر وأهدافها العليا، ونتنياهو لا يتصرّف بعيداً عن هذا الفكر، وهذا ما يُفسّر ذلك التراخي وعدم الاكتراث بقضية "الأسرى" لدى "حماس"، ولهذا يأبى أن تكون هذه المسألة نقطة ضعف تجبره على "الانصياع" أو التراجع عن مشروعه الأم الذي اتضحت ملامحه منذ 7 أكتوبر والقائم على التهجير بالدرجة الأولى، ولهذا كله فقد تجاوز من الناحية العملية هذه العقبة وأسقطت من أولوياته، فيما تجاوز على نحو أكبر كل "غزّة" و "حماس" التي لا يمكن بحال إنكار أنها قد تعرّضت على مدى الشهور الماضية إلى إنهاك حقيقي  جرّاء الآلة العسكرية الإسرائيلية الشرسة من ناحية، ونتيجة حجم الضحايا والخراب الذي مُنيت بها "غزّة" وأهلها مما شكّل ضغطاً وعبئاً لا يمكن تجاهله من قبل "المقاومة"، يضاف إلى ذلك حالة التردّي العربي والخذلان الذي جعل المقاومة وحيدة في مواجهة مصيرها.

وبنظرة سريعة إلى مسرح المنطقة قبل عملية "الضفة الغربية" فلننظر إلى "التحرشات" الإسرائيلية بإيران، والتي توُجّت باغتيال "هنية" على أراضيها مع ما حملته تلك العملية من صفعة متعددة المعاني للجانب الإيراني. ثم لنذهب إلى "الشمال" واختراق "إسرائيل" لحدود "الخصومة" مع "حزب الله" عبر استهدافها للضاحية الجنوبية واغتيالها للقائد العسكري للحزب "شُكر". ثم نتجه "جنوباً" وما أنجزته من ضربة قاسية للحوثي بضرب ميناء الحديدة الاستراتيجي، وأخيراً وليس آخراً العملية العسكرية في "الضفة" وبدء الحديث عن سيناريوهات "التهجير"، واستباحة المدن والقرى من قبل "المستوطنين" بتحفيز وتحريض وتسليح من قبل "بن غفير"، وقبل ذلك تصريحات المرشح الرئاسي الأمريكي "دونالد ترامب" عن "مظلومية" صغر مساحة "إسرائيل" وضرورة البحث عن "طريقة" لتوسيعها، في بُشرى جديدة تعيد للأذهان قرار "ترامب" التاريخي بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل وإمضائه قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الذي بقي ساكناً على طاولة أسلافه، واعترافه كذلك بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتل في تحدٍ صريح بل ووقاحة تضع الأصبع في عين القانون الدولي والقرارات الأممية .. لكن ومن يأبه!

المضحك المبكي أن كل ذلك تم ويتم فيما ولي النعم "الأمريكي" يدعو ومنذ 7 أكتوبر إلى ضرورة عدم توسيع دائرة الصراع في المنطقة!! لكن بدون شك فإن دعواته كانت باتجاه واحد فيما يقوم بتمهيد الطريق بالاتجاه الثاني أمام "الإسرائيلي" نحو المزيد من التوسع والتجاوزات والاعتداءات، ويوفر له الغطاء السياسي والعسكري  "التأمري" الذي يعينه على اللهو كما يحلو له، ولتذهب المنطقة ومن فيها إلى الجحيم.

فعلياً ما يسعى إليه "نتنياهو" اليوم هو "الانتفاع الحدّي" من حجم الدعم "الاستثنائي" وغير المحدود الذي حظي به من قبل "الأمريكي" أولاً ومن ورثة "القوى الاستعمارية الاوروبية " ثانياً، و مهادنة "حتى لا أقول تآمر" بعض الأنظمة العربية المؤثرة ثالثاً، للذهاب بعيداً في تصفية كل الملفات العالقة في أجندة مشروعه الصهيوني والتوسعي الذي يتجاوز في حدوده خطوط "غزّة".

 صحيح أن لـ "نتنياهو" مصلحة شخصية في إطالة "الحرب" للحفاظ على موقعه السياسي وعدم الذهاب سريعاً إلى محاكماته "المؤجلة"، لكن ما هو أهم في أجندته كيفية الاستثمار الأمثل لذلك الزخم الذي تحظى به حكومته من أجل تقليم أظافر مشروع منافسه "الشرقي" أولاً، ولجم قوة "حزب الله" شمالاً، والأهم من ذلك الحصول على مكاسب جغرافية وديموغرافية جديدة، فهو يعي جيداً أن هذا "السخاء" السياسي والعسكري الذي حظي به بعد 7 أكتوبر من الصعب الحصول عليه مرة أخرى على المدى المنظور في الحد الأدنى، وهو يدرك جيداً أنها فرصته الأخيرة لصناعة "نصر استثنائي" يضعه ضمن قائمة القادة التاريخيين للدولة الصهيونية، وتجعله جديراً بأن تثبّت صورته إلى جانب صور "بن غوريون" و "غولدا مائير" و "موشيه دايان" في لوحة "مجد الدولة العبرية"!

أردنياً؛ يبدو أن "بعبع" التهجير والوطن البديل الذي خشينا من استيقاظه وحذّرنا منه منذ الهجمة الإسرائيلية الوحشية على "غزّة" يطلّ برأسه من جديد، وبات قريباً من ساحتنا، حيث "الضفة الغربية" بحالتها المعقدة مع الجانب الأردني، وتركيباتها وملفات أنصاف الحلول المتراكمة التي أورثتنا عبئاً ثقيلاً وتضعنا اليوم أمام تحدٍ وأقول بل وتضعنا اليوم أمام فوهة المدفع لنكون المستهدف الأول لتلك العملية أمام تنبؤات ومعتقدات "نتنياهو" غير الخفية والتي عبّر عنها في كتابه "مكان تحت الشمس"، ومسلمّات كذلك حلفائه من القوى المتطرفة التي لا ترى الضفة الغربية وكل فلسطين هي أرض الميعاد فحسب، بل أن "الأردن" وحتى حدود الرافدين هي امتداد طبيعي للحلم التاريخي، والخطر الحقيقي أن تلك المعتقدات تصدّقها الأفعال والحركة على الأرض التي نشهدها بأعيننا اليوم.

نعم؛ لدينا علاقات وتحالفات أمريكية ودولية وثيقة، لكن التجربة أثبتت مراراً أن الثابت الوحيد في الوفاء الأمريكي هو "إسرائيل المدللة"، وأمام رغباتها تسقط كل المعايير والتحالفات والاتفاقيات. وبموازاة ذلك، عمق استراتيجي عربي متشرذم مرجعيته الوحيدة "لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه" ما يعني أن "الاستدارة" إلى الداخل هو حلهم العقيم . 


كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news