حتى تكتمل وصمة "العيب"!
بهاء الدين صوالحة
جو 24 :
الإشارة الخطيرة التي أطلقها ملك البلاد خلال لقائه الأخير مع المتقاعدين العسكريين، لم تكن مجرّد كلمات أو عبارات حماسية تفرضها ضرورات "التعبئة المعنوية" للداخل الأردني في ظل ما يحدق بالأردن اليوم من أخطار تهدد كيانه ووجوده؛ بل هي تهمة مكتملة الأركان تصل في توصيفها القانوني إلى حدّ التخابر مع جهات أجنبية أي "الخيانة العظمى". ومن يعرف الملك عبدالله الثاني جيداً يعرف أنه لا يمكن أن يتبنّى هكذا لغة إلا ولديه من الدلائل والإثباتات التي تدعم أصابع اتّهامه، خاصة وأن حضور مدير المخابرات على يمين الملك حمل هو الآخر دلالة لا يمكن تفويتها.
على الفور أشعلت جملة الملك "مش عيب عليهم" فضاء التواصل الاجتماعي – المشتعل أصلاً - واحتلّت موقع الصدارة في عواجل الفضائيات ووسائل الإعلام، وتحوّلت إلى "أيقونة" لمحتوى النشطاء على اختلاف المنصّات، فيما البحث ما زال جارياً وسط تكّنهات واجتهادات عمّن قصدهم الملك في حديثه وتسببت في غضبته ودفعته لمخاطبة الأردنيين عبر رفاق سلاحه عشية إجرائه عملية جراحية تكللت ولله الحمد بالنجاح.
الملك لم يعرض التفاصيل بل اكتفى بالإشارة اللفظية والجسدية، فيما بقية الرواية لم تأت وبقيت الأقواس مفتوحة بانتظار من يغلقها من مؤسسات الدولة المعنية إعلامياً وسياسياً وأمنياً في شرح مقاصد الحديث الملكي وما سيؤول إليه من إجراءات، لكن كالعادة فإن الصمت ظل سيد المشهد، ما فتح الباب أمام مصرعيه أمام جمهور عريض وتحديداً الشريحة المعبّأة أصلاً بالمواقف المسبقة لتفسير حديث الملك وتوجيهه يميناً وشمالاً، تلميحاً وتصريحاً، وإطلاق سهام الاتهام بحق فئة هنا أو فرد هناك، وما زاد الطين بلة، ما تم تداوله من معلومات عن جملة حملة اعتقالات طالت نشطاء وجهات محددة دون تأكيد أو نفي رسمي – وكالعادة أيضاً -!
قد تكون هذه المرحلة رغم شدّتها وصعوبتها وما يحيط بها من تكهّنات وتنبئ به من غدٍ مجهول، قد هيّأت بيئة ملائمة لتضخّم أنزيم التكاتف والتآلف الوطني الأردني وتجديد التلاحم بين المواطن وقيادته، لكنها في الوقت عينه، تتيح الفرصة لتنشيط الخواصر الرخوة وتفعيل دور العابثين ممن يقتاتون على الشائعات ويذهبون باستغلالهم لغياب المعلومة الرسمية الصحيحة والموثوقة إلى حدّ المنفعة الحدّية التي لا تراعي المسؤوليات الوطنية، ولا تأبه لأخلاق الفرسان في معاركها، ولا ضير بأن يعيثوا فساداً في العقول والأذهان إشباعاً لعقدهم النفسية وخللهم الفسيولوجي، وتوهمّاً بصناعة انتصارات فارغة وإن كانت على مصلحة الوطن والحقيقة.
لا شك أن كل الأردنيين – وهنا التعميم واجب – يقفون خلف قيادتهم في معركة الوجود التي تخوضها، ولا شك أيضاً أنّهم يصيحون بلسان واحد "مش عيب عليهم"، وأنهم متعطّشون لتطهير البلاد من "أهل العيب" بروائحهم وأفعالهم وأقوالهم، لكن ما هو مطلوب كمقدّمة لذلك الهدف المزيد من الشفافية، وأن توضع النقاط على الحروف لتكتمل الجملة تماماً وبشكل جلي خالٍ من الخدوش لا يقبل التأويل أو التفسير الخارج عن سياق النص، وحتى يبقى "العيب" حصراً بأهله دون أن يرشح للخارج فيصيب أهل الحي!








