رمضان في عمّان... بين روحانيته المفقودة وهوس الاستهلاك والازدحام!

الكابتن اسامة شقمان
جو 24 :
مرّ أسبوع على حلول شهر رمضان، وبدل أن نشهد أجواءً من السكينة والروحانية، نجد أنفسنا وسط دوامة من الفوضى والاستهلاك المبالغ فيه. الأسواق تعجّ بالمشترين كأن المجاعة قادمة، موائد الإفطار تفيض بالطعام الذي ينتهي نصفه في القمامة، العزائم أصبحت استعراضًا اجتماعيًا بدلًا من فرصة للتواصل الحقيقي، والمسلسلات وبرامج الطبخ تسيطر على الشاشات وكأن رمضان موسم للترفيه لا للعبادة. وكأن هذا كله لا يكفي، حتى شوارع عمّان أصبحت ساحة فوضوية، حيث تشهد العاصمة أزمة مرورية خانقة، وكأن الجميع في سباق محموم قبل موعد الإفطار!
الأسواق... هل نحن في رمضان أم في حرب؟
منذ بداية الشهر، شهدت الأسواق التجارية في عمّان ازدحامًا جنونيًا، حيث يتدافع الناس لشراء كميات هائلة من المواد الغذائية، وكأنهم يستعدون لحصار طويل الأمد! المفارقة أن رمضان شهر الزهد والتقشف، وليس موسمًا لتكديس الطعام بشكل هستيري. الأسعار ترتفع، والمستهلكون يدفعون دون تفكير، بينما الفقراء ينظرون بحسرة إلى موائد تتكدس فوقها الأطعمة، في حين لا يجدون ما يسدّ رمقهم.
بعد أسبوع من الصيام، تتكرر المشاهد نفسها:
موائد عامرة بأصناف تفوق الحاجة، أطباق تُملأ وتُرمى، وولائم يتم إعدادها لاستعراض الكرم المزيف أكثر من كونها فعلًا لصلة الرحم. في الوقت الذي يتحدث فيه الجميع عن روحانية الشهر، يمارس الكثيرون عادات مناقضة تمامًا لجوهر رمضان، حيث يتحول الإفطار إلى مناسبة للبذخ المفرط، بينما الفقراء يبحثون عن لقمة بسيطة.
عزائم رمضان... تواصل أم ترفٌ اجتماعي؟
لطالما كانت العزائم في رمضان فرصة لصلة الرحم وتعزيز الألفة، لكنها اليوم تحولت إلى سباق للتباهي بأفخم الموائد وأغلى الأطباق. لم يعد الهدف منها الاجتماع على البركة، بل الاستعراض أمام الأقارب والجيران. والنتيجة؟ إنفاق ضخم، طعام فائض، وإهدار لما كان يمكن أن يُقدَّم لمحتاج حقيقي.
لا يكتمل المشهد الرمضاني دون الحديث عن الفوضى المرورية التي تعيشها العاصمة عمّان، حيث تتحول الشوارع إلى ساحات سباق قبل أذان المغرب. الجميع في عجلة للوصول إلى المنزل، وكأن التأخير لدقائق سيحرمهم من الإفطار! النتيجة: اختناقات مرورية، حوادث متكررة، وأعصاب مشدودة. بدلًا من أن يكون رمضان شهر الصبر والهدوء، أصبح شهر التوتر والاندفاع غير المبرر.
شهر العبادة أم موسم المسلسلات والإعلانات؟
وكأن استهلاك الطعام لا يكفي، يأتي استهلاك الوقت ليكمل المشهد. مع دخول رمضان، تتحول الشاشات إلى منصات لعشرات المسلسلات والبرامج التي تستحوذ على اهتمام الناس، حتى أصبح السهر على الحلقات الرمضانية أكثر أهمية من صلاة التراويح أو قراءة القرآن. ناهيك عن برامج الطبخ التي تُغرق المشاهدين في تفاصيل الأكل وكأن رمضان مناسبة للطهي الفاخر وليس للعبادة!
رمضان ليس موسمًا للاستهلاك ولا للتبذير، بل فرصة لمراجعة الذات، وإعادة ضبط الأولويات. هو شهر الاقتصاد في المصروف، والتفكير في الفقراء، والتقرب من الله، لا موسم استهلاك جنوني لا يليق بمعانيه. بعد مرور أسبوع، هل آن الأوان أن نستيقظ من هذه الغيبوبة الاستهلاكية؟ أم أننا سنواصل العيش في هذه الدوامة حتى ينتهي الشهر دون أن نحقق معناه الحقيقي؟
السؤال الأهم: هل نصوم عن الطعام فقط، أم أننا بحاجة لصيام عن العادات التي أفسدت علينا جوهر هذا الشهر؟
.