jo24_banner
jo24_banner

العودة إلى قراءة حكيم الثورة!

د.امديرس القادري
جو 24 :

كل الأجساد البشرية سترحل عن هذه الدنيا لتعود إلى التراب الذي خلقت منه ، هذه حقيقة لا تقبل الجدل ، وانصياعا لقانون هذه الحقيقة غادر ورحل جسد جورج حبش " الحكيم " ليرتاح في التراب الأردني العزيز على قلبه ، صحيح أنه كان يتمنى الدفن في جوف التراب الفلسطيني الذي ولد فوق ثراه ، ولكن الأمنية لم تتحقق ، ورحل حزن الحكيم الدفين معه بالرغم من تلك الإبتسامة التي ظلت عالقة على شفتاه ، فالموضوعية والقناعة الذاتية التي امتلكها الحكيم كثائر أممي فرضت عليه أن يرحل راضيا ومبتسما وهذا ما ظل عالقا في عيون الذين القوا عليه النظرة الأخيرة و ودعوه .


رحل الجسد ، ولكن العطاء ظل راسخا في صدور وعقول الذين واكبوا التجربة الكفاحية الطويلة التي شقها وخاضها الحكيم ، الوفاء لذلك يستدعي العودة لقراءة ما تركه الحكيم فينا وعدم الإكتفاء بإحتفالات التأبين وزيارة قبره في ذكرى وفاته ، فالحياة والروح الكامنة في نضالات الحكيم تستحق أن يدرسها الأجيال وأن تستخرج منها الدروس والعبر الوطنية ، وتستحق أن ينبري لها المفكرين بالبحث والمراجعة بغية توظيفها فيما قد يخدم الوقت الراهن وما يعتري نضالنا الوطني من أزمات وصعاب ومنعطفات و مأزق .


لم ينل الدكتور جورج حبش لقب حكيم الثورة من فراغ ، فالعطاء لفلسطين وقضيتها وثورتها لم يكن له حدود في التجربة الغنية التي راكمها هذاالمناضل الثوري الفذ الذي قل مثيله في سياق رموز الثورة و قادتها ورجالها ، عقود طويلة ومنذ أن وقعت و حلت النكبة وهذا المناضل ما كان يتوقف عن مواصلة الليل بالنهار من أجل التحرير ، والعودة ، وإقامة فلسطين الديمقراطية التي ظل يحلم بها حتى لفظ أنفاسه الأخيرة .


حبش الرمز لم يكن حكيما للثورة فقط ، ولكنه استطاع ومن خلال المصداقية العالية الإنخراط مع قضايا الفقراء والمسحوقين والمظلومين و المضطهدين حتى تحول إلى جزء أساسي راسخ من الضمير الإنساني الفلسطيني والعربي والعالمي ، ولذلك نشعر بالحاجة الماسة والشديدة له اليوم ، فالسفينة تائهة وتتقاذفها الأمواج المتلاطمة والعاتية ، والبوصلة الوطنية فقدت شمالها ، والقضية باتت في مهب الريح .


في مؤتمر الجبهة الشعبية الذي عقد في مطلع سنة 2000 ، ألقى الحكيم كلمة الوداع التنظيمي حيث أعلن فيها عن إستقالته من منصب الأمين العام ، الورقة التي ألقاها الحكيم التارك طواعية وبمحض إرادته لمنصب الأمين العام إشتملت على رؤية عميقة وثاقبة للحالة الفلسطينية عموما ولمسار الجبهة على وجه الخصوص وبالأبعاد الزمنية الثلاثة الماضي ، والحاضر ، والمستقبل ، محتويات الورقة تستحق أن تدرس في كل مدارس ومعاهد وجامعات الوطن الفلسطيني ، وتستحق أن تكون حاضرة وماثلة في عوالم الحياة الداخلية لكل فصائل العمل الوطني الفلسطيني .

ولنقرأ من باب الوفاء لهذا المناضل الأممي ما خطه عقله وقلمه وقبل ما يزيد عن العشر سنوات :


1- إن الخط العسكري يأتي في صلب الخط السياسي ، أي أنه جزء مكون من الرؤية السياسية ... وبالتالي إذا كانت الرؤية السياسية سليمة وعلمية وثورية فإنها بالتأكيد ستمارس الشكل النضالي الملائم مع تلك الرؤية السياسية .


2- إن إخفاق الحركة الوطنية الفلسطينية ، وإرتداد قيادتها الرسمية ممثلة بفريق أوسلو لا يعود بالأساس الى اخفاقها العسكري ، أو لغياب كفاحية قواعدها التنظيمية أو الشعبية ، و انما يعود في هذه المرحلة إلى إنهيار الخط السياسي لهذه القيادة الذي توج بإنقلابها على البرنامج الوطني التحرري ، وإنخراطها في " المشروع الأمريكي – الإسرائيلي " للتسوية إتصالا بالتغيرات الطبقية – الفكرية – المعنوية – التي طرأت على النخب القيادية أولا وقبل أي شيء آخر .


كل من هو قريب من الحالة الفلسطينية الراهنة و أوضاعها الداخلية لن يكون صعبا عليه ان يشاهد على أرض الواقع ترجمات ما تحدث عنه الحكيم في النقطتين السابقتين ، فنحن امام قيادة تعاني من إنهيار سياسي شبه تام ، و هذا ما كان له أن يكون بدون الإستعداد للإنقلاب الكلي على البرنامج الوطني و على كل ما فيه من ثوابت كتبها شعبنا و ثورته بالدماء و بالتضحيات الجسام ، هذه هى حقيقة ما قام فريق أوسلو بالإقدام على تنفيذه ، فالقصة لم تكن مجرد توقيع على اتفاق مع عدونا الصهيوني .


و للخروج من صحراء الضياع التى نحن فيها ، فليس امام قوانا الوطنية الرافضة لذلك ، و المتمسكة بالكفاح و استمرار المقاومة ، سوى العمل على اسقاط و تنحية كل رموز و عناصر هذا الفريق الذي لا يزال يوغل في العبث الوطني ، هذا هو طريق الإنقاذ الوحيد الذي سيعيد ضخ الدماء من جديد في عروق نضالنا التحرري ، و هذه هي النصيحة الوحيدة التي نقدمها لكل الغارقين في مسلسل المصالحة ، و تشكيل الحكومات ، و تبادل الرسائل مع المجرم نتنياهو فهل تتحمل الجبهة الشعبية و باقي القوى الوطنية زمام المبادرة التي لا شك في أن جميع الأحرار من أبناء شعبنا تواقين لها و لن يكونوا إلا إلى جانبها و معها ؟.


د.امديرس القادري

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير