jo24_banner
jo24_banner

الجامعات الرسمية بين هيمنة الصلاحيات وتعدد التشريعات

الدكتور المحامي محمد الزبيدي
جو 24 :  
 الجامعة ليست مجرد مبنى يضم قاعات ومحاضرات، بل هي عقل الوطن وقلبه النابض بالمعرفة والإبداع. ومن هنا، فإن الحديث عن الجامعات الأردنية هو حديث عن مستقبل الأردن ذاته، عن أجيال تتطلع إلى العلم، وعن مجتمع يسعى إلى التقدم والرقي. فالجامعات هي مصانع للعقول وورش للمستقبل؛ فيها تتشكل شخصية الطالب، ومنها يخرج إلى المجتمع مؤهلاً وقادراً على حمل رسالة العلم والإبداع.
ومع أننا نعتز بالجامعات الأردنية ونفخر بإنجازاتها، إلا أنها لا تزال تعاني من مشكلات عميقة ومتجذرة، تتطلب منا الوقوف عندها بروح المسؤولية الوطنية. وتأتي في مقدمة تلك المشكلات: كثرة التشريعات الناظمة لعملها، وتضخم صلاحيات رؤسائها، الذين يملكون وحدهم سلطة التنسيب بتعيين كبار القيادات الأكاديمية والإدارية، فيما يبقى دور مجلس التعليم العالي وهيئة الاعتماد ومجالس الأمناء دوراً رقابياً لا يرقى إلى مستوى التأثير الفعلي.
وهنا يطرح السؤال الأبرز نفسه: لماذا هذا التشظي التشريعي الذي جعل لكل جامعة قانونها وأنظمتها وتعليماتها الخاصة؟
اليوم، نجد أن كل جامعة تُدار وفق منظومة معقدة من التعليمات والأنظمة الخاصة، تُضاف إلى القوانين العامة مثل قانون الجامعات الأردنية، وقانون اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها، وقانون التعليم العالي والبحث العلمي، مع ما يتبعها من أنظمة وتعليمات، لتتشابك خيوط التشريع إلى درجة تجعل بيئة الجامعة أشبه بشبكة من التعقيدات.
وفي الوقت الذي نحتاج فيه إلى قانون شامل واحد يُنظم عمل جميع الجامعات الرسمية، ويوحّد المرجعية، ويزيل التناقضات، نجد الواقع مخالفاً تمامًا. فالقانون الواحد المرن، الذي يرسم الإطار العام ويطبق على جميع الجامعات، هو ما نفتقر إليه اليوم.
أما الصلاحيات المطلقة الممنوحة لرئيس الجامعة، فهي وجه آخر من الإشكالية. فالرئيس اليوم هو من يقرر وحده من يكون نائبًا له، ومن يُعيّن عميدًا أو نائب عميد، ويشكّل مجلس الجامعة وهيئة التعيين والترقية، ويختار من يدير المراكز والمكاتب. وبذلك، تُصبح الجامعة أحيانًا رهينة لرؤية فردية، قد لا تعكس المصلحة العامة أو الطموح الجماعي للعقل الأكاديمي.
قد يقول البعض إن دور الرئيس يقتصر على "التنسيب"، وهذا صحيح من الناحية القانونية، إلا أن الواقع يقول إن الرئيس هو من يختار القيادات عملياً. ولهذا، نادراً ما نرى مجالس الأمناء تُفعّل نص المادة (10 / ج) من قانون الجامعات، والتي تنص على:
"تقييم أداء الجامعة وقياداتها من الجوانب جميعها، بما فيها الأكاديمية والإدارية والمالية والبنية التحتية..."
لذلك، لا بد من تقييم موضوعي وشفاف لقيادات الجامعة، من رئيس ونواب وعمداء ومديري مراكز ومديريات، وفق آلية واضحة تُكافئ المنجز، وتُحاسب المقصّر. لا يجوز أن تُترك الأمور للمحسوبيات أو الأهواء أو الاعتبارات المناطقية.
فالتقييم وحده لا يصنع عدالة، ولا يردع المقصّر، ولا يمنع تغوّل الصلاحيات. ما نحتاجه هو نظام محاسبة حقيقي، يجعل من رئيس الجامعة والقيادات الأكاديمية مسؤولين أمام جهة رقابية فاعلة، تمامًا كما يُحاسب أي مسؤول في الدولة. فإن أحسنوا، وجب دعمهم وتقديرهم، وإن قصروا أو أساؤوا استخدام صلاحياتهم، وجب محاسبتهم بآليات شفافة وواضحة.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى ما قاله الزميل فيصل العيطان:
"القائد من يصنع قادة، لا أتباع. وهي صرخة في وجه كل من ظن أن القيادة تعني أن يسير الجميع خلفه صامتين. القائد الحق يشعل الشرارة في قلوب من حوله، ليصبح كل منهم شعلة قادرة على إضاءة الطريق لغيره، وهو من يفتح الأبواب بدلاً من أن يكون حارساً عليها، ومن يرفع الآخرين حتى لو تجاوزوه، لأن العظمة الحقيقية لا تعرف الغيرة."
إن الإصلاح الحقيقي في الجامعات الأردنية لا يبدأ بتغيير المباني أو تحديث المناهج فقط، بل من خلال إعادة هندسة البنية التشريعية والإدارية على أسس مؤسسية لا فردية.
ينبغي توزيع الصلاحيات بين المجالس الأكاديمية والهيئات ذات العلاقة، تحت سلطة مجلس التعليم العالي ومجالس الأمناء، كمرجعيات فاعلة لا كجهات استشارية صامتة. ويجب أن يكون هناك قانون موحد، مرن، يشمل جميع الجامعات، وأنظمة موحّدة، وهيئات رقابية قوية، ومحاسبة حقيقية يشعر بها الجميع.
فقط عندها يمكن القول إننا نسير بجامعاتنا نحو المستقبل بثقة، ونبني بيئة تعليمية تعكس طموحات الوطن، وتُصان فيها حقوق الأجيال الجديدة في تعليم عادل، شفاف، ومؤسسي.
مع التأكيد أن المحاسبة لا تعني الاعتداء على استقلالية إدارة الجامعات، بل تمنع أن تُتخذ "الاستقلالية" حجة للتقصير.

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير