محاكمة القرن
جمانة غنيمات
جو 24 : في المقدمة التي تلاها القاضي المصري في الجلسة الختامية لمحاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، محاكمة سياسية لعهده، وإشادة غير عادية بالثورة؛ وكأن القاضي كان يحضّر الرأي العام المصري والعربي، الذي تابع باهتمام كبير محاكمة الرئيس السابق، للأحكام المخففة للمتهمين.
رد الفعل الشعبي المباشر كان رفض القرار، وعكس حالة الإحباط التي حطت على متلقيه فجأة؛ إذ كيف يخفف الحكم على رئيس قتل شعبه، فيما تمت تبرئة نجليه؟ رغم أن الأنباء تؤكد أنهما سيبقيان في السجن إلى حين البت في قضايا الكسب غير المشروع. وأزعم أننا سنشهد بعد أشهر تبرئة جديدة للابنين ليخرجا في النهاية من سجنهما ويعودا لممارسة حياتهما الطبيعية.
المحاكمة غير عادلة وغير منصفة للشعب المصري الذي قدم مئات الشهداء. وهي محاكمة سياسية، لكنها غير مقنعة أيضا؛ فالحكم القاسي بحق مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، غير متوازن، ولا ينسجم أبدا مع تبرئة متهمين في القضية ذاتها.
ما بعد محاكمة مبارك مرحلة جديدة في مصر، تصل في أهميتها إلى مرحلة تخلي مبارك عن كرسي الرئاسة، ولا تقل أهمية عن ثورة يناير. والقرارات التي صدرت أمس تؤكد مخاوف كبيرة بدأت تتنامى من اختطاف الثورة، والالتفاف على طموحات الثائرين وآمالهم.
للثورات قواعد أخرى في التعامل مع من أخطأ في حق شعبه وقتله وأذله وأفقره وجوعه، وما نزال نذكر التعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات الفرنسي عقب ثورة 1791، والكل يعرف كيف كانت الأحكام. وهذا ما كانت تنتظره الشعوب العربية.
مشهد النطق بالحكم يدلل من جديد على أن النظام الذي كرّسه مبارك لعقود طويلة، ما يزال قائما وقويا، ويسعى إلى إحكام سطوته، وحماية مؤسساته الأمنية. وفي هذا رسالة خطيرة، فحواها أن من يقتل محمي في المستقبل، وأن الأجهزة الأمنية في حماية دولة العسكر.
بعد المحاكمة وأحكامها لن أتفاجأ إذا رشح جمال نفسه للرئاسة يوما ما، ولا مانع من فوزه طالما أنه بريء بشهادة من القضاء المصري الذي هتف المصريون ضده منذ لحظة صدور الحكم، بصوت واحد: الشعب يريد تطهير القضاء.
الاحتجاج الذي تلا المحاكمة ليس إلا ردا على مهزلة محاكمة النظام نفسه، وغضبا من فوز أحمد شفيق بالمركز الثاني في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. وهما يومان مشؤومان في تاريخ العرب ومصر، ودلالة قوية على أن الشعب لم يقطف ثمار الثورة بعد.
لما حدث ردة فعل ستظهر بشكل جلي في الشارع المصري خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ولربما تقلل من فرص شفيق للظفر بموقع الرئاسة المصرية.
المصريون كانوا جديرين بالفرح، وتتويج ثورتهم بحساب حقيقي لكل من تجاوز واحتال واستغل موقعا عاما، لكن ما حدث يحتاج وقفة مراجعة لما تم في أشهر ما بعد رحيل مبارك، خصوصا وأن نتائج المحاكمة دليل على أن نظام مبارك ما يزال يمسك بزمام الأمور من خلال المجلس العسكري.
النظام المصري ضحى برمزه ليعيد تجديد نفسه، وهو يعيد ترتيب أوراقه بحيث يعيد إنتاج نفسه، ويبقى مسيطرا على الحالة المصرية، ويقلل من النجاحات التي ستحرزها الثورة. والهدف البعيد يتمثل في الإبقاء على النظام الذي تجذر في الدولة ومؤسساتها، على أمل أن تخبو الثورة يوما وتعود الأمور إلى نصابها!
الغد
رد الفعل الشعبي المباشر كان رفض القرار، وعكس حالة الإحباط التي حطت على متلقيه فجأة؛ إذ كيف يخفف الحكم على رئيس قتل شعبه، فيما تمت تبرئة نجليه؟ رغم أن الأنباء تؤكد أنهما سيبقيان في السجن إلى حين البت في قضايا الكسب غير المشروع. وأزعم أننا سنشهد بعد أشهر تبرئة جديدة للابنين ليخرجا في النهاية من سجنهما ويعودا لممارسة حياتهما الطبيعية.
المحاكمة غير عادلة وغير منصفة للشعب المصري الذي قدم مئات الشهداء. وهي محاكمة سياسية، لكنها غير مقنعة أيضا؛ فالحكم القاسي بحق مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، غير متوازن، ولا ينسجم أبدا مع تبرئة متهمين في القضية ذاتها.
ما بعد محاكمة مبارك مرحلة جديدة في مصر، تصل في أهميتها إلى مرحلة تخلي مبارك عن كرسي الرئاسة، ولا تقل أهمية عن ثورة يناير. والقرارات التي صدرت أمس تؤكد مخاوف كبيرة بدأت تتنامى من اختطاف الثورة، والالتفاف على طموحات الثائرين وآمالهم.
للثورات قواعد أخرى في التعامل مع من أخطأ في حق شعبه وقتله وأذله وأفقره وجوعه، وما نزال نذكر التعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات الفرنسي عقب ثورة 1791، والكل يعرف كيف كانت الأحكام. وهذا ما كانت تنتظره الشعوب العربية.
مشهد النطق بالحكم يدلل من جديد على أن النظام الذي كرّسه مبارك لعقود طويلة، ما يزال قائما وقويا، ويسعى إلى إحكام سطوته، وحماية مؤسساته الأمنية. وفي هذا رسالة خطيرة، فحواها أن من يقتل محمي في المستقبل، وأن الأجهزة الأمنية في حماية دولة العسكر.
بعد المحاكمة وأحكامها لن أتفاجأ إذا رشح جمال نفسه للرئاسة يوما ما، ولا مانع من فوزه طالما أنه بريء بشهادة من القضاء المصري الذي هتف المصريون ضده منذ لحظة صدور الحكم، بصوت واحد: الشعب يريد تطهير القضاء.
الاحتجاج الذي تلا المحاكمة ليس إلا ردا على مهزلة محاكمة النظام نفسه، وغضبا من فوز أحمد شفيق بالمركز الثاني في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. وهما يومان مشؤومان في تاريخ العرب ومصر، ودلالة قوية على أن الشعب لم يقطف ثمار الثورة بعد.
لما حدث ردة فعل ستظهر بشكل جلي في الشارع المصري خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ولربما تقلل من فرص شفيق للظفر بموقع الرئاسة المصرية.
المصريون كانوا جديرين بالفرح، وتتويج ثورتهم بحساب حقيقي لكل من تجاوز واحتال واستغل موقعا عاما، لكن ما حدث يحتاج وقفة مراجعة لما تم في أشهر ما بعد رحيل مبارك، خصوصا وأن نتائج المحاكمة دليل على أن نظام مبارك ما يزال يمسك بزمام الأمور من خلال المجلس العسكري.
النظام المصري ضحى برمزه ليعيد تجديد نفسه، وهو يعيد ترتيب أوراقه بحيث يعيد إنتاج نفسه، ويبقى مسيطرا على الحالة المصرية، ويقلل من النجاحات التي ستحرزها الثورة. والهدف البعيد يتمثل في الإبقاء على النظام الذي تجذر في الدولة ومؤسساتها، على أمل أن تخبو الثورة يوما وتعود الأمور إلى نصابها!
الغد