حكومة الإنقسام و مراكمة الأوهام !
على المائدة القطرية وفي عاصمتها الدوحة سبق و أن التقى الزعيمان أبو مازن - محمود عباس ، وأبو الوليد - خالد مشعل ، واتفقا تحت ظل الرعاية التي وفرها لهم الغاز القطري على تشكيل حكومة الوفاق الفلسطيني الوطني على أن تكون من الشخصيات المستقلة وبقيادة الرئيس عباس ، وجرى الإتفاق كذلك على أن يعهد لهذه الحكومة التحضير للإنتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة ، وبما ينهي ويطوي صفحة الخلاف والتشرذم والإنقسام الفلسطيني بين الحركتين فتح وحماس اللتان تتزعمان صدارة الساحة داخلياً ، وعلى ذلك سيكون مطلوب لاحقاً من بقية الفصائل الوطنية أن تضع بصمتها بالموافقة .
نظرياً ، فالمصادر الفلسطينية المقربة من الرئيس عباس تفيد بأنه بدأ عمليا في المشاورات اللازمة التي سوف تسبق الإعلان عن تشكيل حكومةالمستقلين ، وأفادت المصادر أن الطرفان الفتحاوي والحمساوي قد قاما بوضع تصوراتهم الخاصة بأسماء الشخصيات التي سيتم طرحها في مباحثات ستنطلق لغايات الإتفاق عليها وذلك في العاصمة المصرية القاهرة ، الإستقلالية التامة وعدم التبعية لأي تنظيم سيكون هو المعيار الأساسي للفوز بمنصب في هذه الحكومة ، يضاف إلى ذلك اتفاق الطرفين على أن لا يكون في تشكيلة هذه الحكومة نائب للرئيس وحتى يظل الزعيم الخالد أبو مازن هو الآمر الناهي على كل ما يتعلق بظروف وأهداف عمل هذه الحكومة .
من أصول الموضوعية أن لا نحكم مسبقا على النتائج بالرغم من مرارة كل التجارب السابقة الفاشلة ، ومن المنطق أن نتمسك بخيط النور مهما كان النفق مظلما وحالكا وبغض النظر عن كل ما كتب وقيل حول المصالحة التي أسماها بعض الباحثين بأنها " مو صالحة " انطلاقا من السياسات والمواقف الذاتية التي يصر الطرفان على التمسك بها والتمترس خلفها وبعد كل جولة مباحثات كانا يعقدانها ، الأمر الذي حدا بالبعض الآخر إلى الإتفاق على أن الطرفان قد تحولا إلى لعبة إدارة المصالحة كبديل للفشل المزمن في عدم قدرتهم على الوصول الفعلي لوضع الحلول الناجعة .
و إنطلاقا من المشاعر والأحاسيس و أجواء التشاؤم ، وفقدان الأمل الطاغية عند الغالبية العظمى من جماهير شعبنا في الضفة والقطاع ، وعند جميع الفصائل والقوى والشخصيات الوطنية التي يراد لها أن تظل في موقع التابع لمجريات وتطورات حدث هذا الإنقسام والخلاف ، إنطلاقا من ذلك وغيره فإن السؤال الواقعي والمهم الذي يفرض نفسه يتمحور حول قدرة وإمكانية هذه الحكومة على أن تكون العصى السحرية التي وبواسطتها سوف تحل جميع القضايا العالقة التي جاءت كإفراز ونتاج لهذا الخلاف والإنقسام .
المراهنة على حكومة الوفاق ، وعلى كل ما يشاع ويروج له بخصوصها ليست سوى فصل جديد من فصول الأوهام والهزل التي اعتدنا على إستقبالها بين الحين والآخر ، ومن يراجع سيرة هذه المصالحة ، سيكتشف و بسهولة كيف تحولت إلى شماعة نعلق عليها ضعفنا وعجزنا وكل هذا التردي السياسي والنضالي الذي باتت فلسطين وقضيتها تراوح ضمن إطاره وحدوده ، في الوقت الذي يواصل فيه عدونا الصهيوني إرتكاب أبشع الجرائم وأكثرها دموية مستفيدا بطبيعة الحال من مسرحية الإنشغال الداخلي بالمصالحة وقممها ولقاءاتها التي أضعنا عناوينها وتواريخها لكثرتها .
السلطة العبثية والمأزومة هي المستفيد الأول من كل ما له علاقة بالمصالحة ، وترى فيها رئة ومتنفس يمدها بمزيد من حياة اللهو والفساد التي تغرق في مستنقعها ، خصوصا عندما تكون دهاليز وزواريب المفاوضات مع الصهاينة مغلقة ، وعليه ، فإن كل العتب والملامة تقع بالدرجة الأولى على حركة حماس ، والتي نفترض منها أن تكون أول المطالبين برحيل هذه السلطة وقيادتها الفاقدة للشرعية .
إن الأذى الذي لحق بقطاعات واسعة من جماهير شعبنا ، يملي على حماس التي لا ينقضي يوم دون أن تعلن من ناحية عن تمسكها بالمقاومة ، وبكل الثوابت الوطنية وعن إدانتها وشجبها لسلوك وممارسات هذه السلطة من ناحية أخرى ، كل ذلك و غيره يستدعي من حركة حماس أن تراجع الكثير من مكونات موقفها الفلسطيني الداخلي ، أن تتوقف عن تزويد هذه السلطة وأجهزة البطش والقمع التابعة لها بالهواء الذي يساعدها على البقاء على قيد الحياة .
حكومة أبو مازن التي يجري الحديث عنها لن تحصد ولن تجني إلا الفشل وخيبة الأمل ، ولن تراكم سوى المزيد من الأوهام ، فالمولود ميت داخل الرحم ، ولن يعود إلى الحياة حتى لو إجتمعت كل القابلات المؤهلات ومن الحركتين للعمل على ولادته ، فلنترك هذا الطريق ، و لنغلق هذا الملف العبثي ، و لنراكم فوق بطولات أسرانا و معارك الجوع الأسطورية التي هزموا فيها القيد و السجان ، لنبحث عن وحدتنا الوطنية الفعلية بعيداً عن عفن و طحالب هذه السلطة ، و لنعمل على إعادة الروح و الحياة لكل ما له علاقة بالكفاح و المقاومة ، و لتنفجر الإنتفاضة على كل شبر من أرض فلسطين ، هذا هو الشمال الحقيقي الذى يجب أن تتجه نحوه بوصلة كل الأحرار الصادقين و المخلصين لشعبهم و قضيته .
د.امديرس القادري