2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

امتحان الثانوية العامة «ثقافة المجتمع»

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : من أخطر المظاهر والمؤشرات في امتحان الثانوية العامة، التي تكررت عبر السنوات السابقة، بروز ثقافة التواطؤ مع الغش والتسريب لدى بعض الشرائح وفي بعض المناطق، بحيث أصبح تدخل بعض الأهالي من أجل تسهيل عمليات الغش ينحى الى استعمال العنف، واستخدام أدوات القوة بشكل علني ومكشوف الى درجة الاستخفاف المزري بالمصلحة العامة وبمنظومة القيّم النبيلة، وبطريقة تخرج عن أعراف المجتمعات المتحضرة، وتسيء الى سمعة الأردن ومكانته! .
ظاهرة الغش في الامتحان -ي امتحان-تعد درجة من درجات الخيانة الوطنية، وهي قبل ذلك تمثل سقوطاً أخلاقياً مريعاً، وتعبر عن هبوط مسلكي مشين، يلحق الضرر الفادح بالكرامة الآدمية والتكوين الانساني، كما يلحق الضرر الأشد فداحة وأعظم فتكاً بالمصلحة العامة، والتكوين المجتمعي بعموم، والحديث بهذا المستوى من الوصف لا يحمل لوناً من المبالغة أو التهويل، لأن الامتحان يعبر في ذاته عن منطق العدالة وصحة المعايير والموازين التي قامت عليها الحياة الانسانية وقام عليها الكون والسموات والأرض.
احترام الاتبارات بوجه عام يمثل الوجه الحضاري للمجتمعات والأمم، ويشكل علامة من علامات التقدم والنهوض، و لتهاون في سلامتها ونزاهتها يشكل علامة من علامات التخلف والاحطاط، ويعد مؤشراً على الهزيمة والضعف، وسيراً في طريق الهلاك والأفول، لأن النتيجة المفزعة المترتبة على هذا التهاون تسويد الضعفاء والأقل كفاءة وأمانة مراكز التوجيه، وابعاد الأكفاء المجتهدين وأصحاب المواهب، ولذي سيؤدي حتماً نحو الانهيار . الأمر المرعب فيما نشاهد ونحس أن يصبح الغش ثقافة عامة، وأن تكثر مساحات التواطؤ مع هذه الظاهرة، وان تنتشر العدوى الى أوساط العامة، وعند ذلك ستتعاظم الظاهرة ويتسع الخرق على الراقع، وتصبح المعالجة أشد صعوبة، وتحتاج الدولة والحكومة الى مضاعفة القوة التي تستطيع أن تضبط عملية أداء هذا الامتحان على درجة مقبولة، من حيث فرض الهدوء، وبسط العدالة التي تقتضي إعطاء صاحب الحق حقه بالقسطاس المستقيم.
إن جهود وزارة التربية والحكومة هذا العام في ضبط الامتحان، وإعادة هيبته واحترامه على المجتمع مقدرة، بالتعاون مع الأجهزة المختصة، وإذا بقي هناك بعض الثغرات ينبغي أن يتم تقويم الأمر بكل دقة وحرفية، من أجل مواصلة الجدية الصارمة في معالجة هذا الاتجاه الحازم من كل قوى المجتمع، ومن كل الأجهزة وجميع المؤسسات الأهلية والمدنية إضافة الى مؤسسات الدولة الرسمية، ويجب إبداء أعلى درجات الحسم في هذا الموضوع دون أي مسحة من تهاون مع كل من خالف التعليمات، ومع كل من أبدى نوعاً من التعاون أو التواطؤ مع هذه الخيانة الوطنية .
الذي يغش في الامتحان يغش وطنه وشعبه، والذي يملك نفسية تسمح له بسرقة جهد غيره، لن يتورع عن سرقة الوطن والسطو على مقدراته، وكل من يتساهل مع هذه الظاهرة إنما هو غارق في الفساد لا محالة، ويملك الاستعداد للتواطؤ مع اللصوص وقطاع الطريق الذين لا يتورعون عن أخذ حق غيرهم.
إن الذي ينجح عبر الغش، سيجد نفسه مضطراً للغش في المراحل العليا، وسيصبح الغش سجية له وطبعاً وهو في أعلى المناصب، وسيضطر للتسامح مع هذه الظاهرة، ولن يكون قادراً على منعها او الحد منها، وستصبح المنافسة في تحقيق الغش! وسينتقل السباق الى امتلاك أدوات الغش وتطويرها والإبداع في تحصيلها وإخفائها، بدلاً من أن تكون المنافسة في الجد والاجتهاد، وبدلاً من أن يكون الإبداع في تطوير المجتمع وامتلاك أدوات القوة التي تحمي المجتمع وتحقق المصلحة العامة.
إن الحكومة معنية بتغليظ العقوبة على هذه الجريمة، وتغليظ العقوبة على كل المشاركين فيها والمتواطئين معها،وعلى أجهزة الإعلام ووزارات التوجيه أن تعمد الى إشاعة ثقافة احترام هذا المسلك، بحيث يصبح المجتمع حارساً على نفسه بكفاءة ، وقادراً على ارساء الأعراف والقيم الصحيحة التي تشكل الوقاية والحماية الذاتية من عوامل الانهيار والتفكك.
(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير