الإصرار على رفض القائمة الوطنية
في كلّ الحوارات مع الأطراف الرسميّة حول قانون الانتخاب منذ ما قبل الربيع العربي، كانت تبرز معضلة الإصرار الرسمي على رفض مسألة القائمة الوطنية، وكأنّ هناك اتفاقا غير معلن بين جميع الذين يتولون المسؤولية الرسميّة على اعتبار القائمة الوطنية خطاً أحمر، ولذلك تجد محاولات الهروب الدائم من الإجابة الحقيقية حول هذا الرفض، ويتم اللجوء عادة إلى بعض المقولات التبريرية المكررة بشكلٍ تقليديٍ ممجوج.
يتمسك الرافضون للقائمة الوطنية، بحجة ضعف الأحزاب السياسية، وأنّ هناك قوة سياسية واحدة منظمة سوف تستأثر بمعظم المقاعد الوطنية؛ لأنّها قوة عابرة للمحافظات كما قال أحدهم، ولكنّ الاختباء خلف هذه المقولة بشكلٍ دائمٍ يحوي قدراً كبيراً من مخادعة الشعب الأردني، وقدراً كبيراً من التضليل والضحك على الذقون، وذلك لعدة أمور بينة وواضحة:
الأمر الأول، أنّ القائمة الوطنية لا تقتصر على الأحزاب السياسية، ويجب عدم قصرها على الأحزاب بمعنى أنّ كلّ الذين يرغبون بخوض الانتخابات البرلمانية لديهم القدرة على تشكيل قوائم على مستوى الوطن، ويمكن أن تكون القوائم مشتركة بين المنخرطين في الأحزاب وغير المنخرطين من أصحاب التوجهات السياسية المختلفة، ومن حملة الهمّ العام.
الأمر الثاني، أنّ نظام القائمة الوطنية النسبية المغلقة هو الذي يمنع استئثار الحزب الأكبر، والقوة السياسية المنظمة العابرة للمحافظات من الاستئثار بمعظم المقاعد، بل العكس هو الذي سيحصل، إذ أنّ كل قائمة تحصل على مقاعد برلمانية بالنسبة والتناسب مع حجم الأصوات التي تحصلها القائمة من مجموع أصوات المواطنين، ولو افترضنا أنّ الادعاء القائل بوجود قوة سياسة واحدة منظمة فهي لن تحصل في أحسن الأحوال على ما يزيد عن 30-40% من المقاعد، وسوف يتمّ توزيع المقاعد على بقية القوائم.
الأمر الثالث، إنّ الإصرار على هذه المقولة للتخويف من الحركة الإسلامية تحديداً، ليس من العدل ولا يصدر عن منطق قويم؛ لأنّ الاستسلام لهذه الفزاعة يعني بكلّ صراحة استئثار نخب معينة واستيلائها على مفاصل الدولة؛ وكأنّها جعلت من نفسها وصية على الشعب الأردني وعلى الدولة الأردنية، والذين يرددون هذه المقولة إنّما هم متواطئون مع استمرار حكم تحالف الفساد بوعيٍ أو بدون وعي؛ ممّا يجعلهم حجر عثرة أمام التقدم في مسيرة الإصلاح التي سوف تنتقص من هيمنة أصحاب المعادلة السابقة على كلّ مجريات العملية السياسية ومخرجاتها منفردين.
وأمّا الأمر الأكثر خطورة ولا يتمّ التصريح به، هو أنّ هناك إصراراً على عدم التعامل مع الشعب الأردني كوحدة واحدة، وهناك إصرار على عدم تقوية أواصر الوحدة والتقارب والتشارك السياسي مع جميع مكونات الشعب الأردني في جميع محافظاته وألويته وبواديه، ويتبدى الإصرار بوضوح على التعامل مع مجاميع مفرقة وتجمعات سكانية منعزلة، إمّا عن طريق اعتماد العشائرية أو المناطقية، ممّا يجعله مقسماً ومفرقاً ومشتتاً لا يجمعه برنامج سياسي ولا قائمة وطنية موحدة.
والأمر الأكثر وضوحاً هو الإصرار على عدم اعتماد منهج الفرز والانتخاب على أساس فكري وبرامج سياسية والتمسك بمنهج الفرز العشائري والمناطقي والجهوي؛ من أجل الحيلولة دون وصول تكتلات سياسية برامجية إلى مجلس النواب، ومن أجل عرقلة الوصول إلى حكومة برلمانية حقيقية، ولذلك نحن أمام سيناريو إعادة إخراج الصورة الهزيلة والمحزنة لمجالس النواب السابقة، العاجزة عن القيام بمهمتها الدستورية ودورها الرقابي الفاعل، وإنّما ستبقى ألعوبة بيد الحكومات لإصباغ الشرعية على القرارات والسياسات المطبوخة سلفاً، وسوف تبقى تمارس دورها كمحطات غسيل للفساد وتبرئة الفاسدين من خلال اعتماد نظام الصوت الواحد ومشتقاته، وبأحسن الأحوال إضافة صوت واحد للمحافظة فقط.