jo24_banner
jo24_banner

الخطاب الإسلامي المعاصر والتحديات الجديدة

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : الخطاب الإسلامي المعاصر يواجه مجموعة من التحديات الكبيرة التي يتسم بعضها بالخطورة، لما يترتب عليها من آثار عميقة تمس الأمة و حاضرها وواقعها، كما تمس مستقبلها على جميع الصّعد وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
التحديات التي تواجه الخطاب الإسلامي كثيرة ومتعددة ومتنوعة، بعضها قديم وبعضها متجدد،كما ان بعضها يتصل بالمضمون، وبعضها يتصل بالشكل من حيث الأسباب والوسائل وأدوات الاتصال، وما يتصل بالمضمون اشد صعوبة حيث انها تحتاج علماء ودارسين ومتخصصين وفقهاء وباحثين مجددّين، استطاعوا فهم الإسلام بعمق، وفقهوا مقاصده بشمول من أجل القيام بعملية التطوير والتجديد المطلوبة والمرتكزة على ثوابت الإيمان، وتنسجم في الوقت نفسه مع مقاصد الشارع الحكيم، والتي تدور مع مصالح العباد وإمكانية تحققها على أتم وجه وأحسن حال يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد.
التحدي الأول يتمثل بالتحدي الفكري، في ظل الاختراق الكبير والخطر الذي تتعرض له الأمة الإسلاميّة من خلال أفهام خاطئة ومجزوءة ومبتورة لمقاصد الإسلام، انتشرت عبر نفر من أبناء الأمة يفتقرون الى العلم والفقه والدراسة والتخصص، ولا يملكون سوى بضاعة مزجاة من أفواه بعض الخطباء، أو أصحاب الخطاب السطحي المشوه الذين يظهرون على الفضائيات الكثيرة التي تملأ الساحات العربية، ما أدى إلى ظهور جيل يعيش على الانطباعات والشعارات، والمفاهيم المجزوءة والحقائق المبتورة، وهؤلاء وإن كان لديهم الإخلاص والنوايا الصادقة بحيث جعلتهم يضحون بأنفسهم أحياناً إلاّ أنهم يفتقرون إلى العلم الصحيح والفقه العميق الذي يحتاج دراسة طويلة ومتأنية وتلمذة مكتملة على أيدي العلماء والفقهاء، وقضاء وقت طويل بين الكتب القديمة والحديثة، والاستطلاع على جهود السابقين واللاحقين.
وما يتصل بالتحدي الفكري فإن الحاجة ملحة لتفصيل رأي الإسلام بمفهوم الدولة الحديثة، حيث ينبغي بيان طريقة اختيار رئيس دولة، وممثلي الأمة، وتحصيل معاني الرقابة والتقويم والمحاسبة لأصحاب القرار، وموضوع الفصل بين السلطات، وهذا لا يتم الاّ بالتواصل مع التجارب البشرية في هذا المضمار، بالاضافة إلى التأصيل الشرعي الرصين لموضوعات التعددية والحزبية السياسية وإدارة الاختلاف، وكذلك موضوع الحقوق السياسية للمرأة والأقليات، بكل وضوح.
أما التحدي الثاني فيتصل بالموضوع الاقتصادي، حيث أن ثمرة الإدارة السياسية الناجحة تتمثل بالقدرة على تحقيق معايش الناس وتأمين أقواتهم، وحقهم بالحياة الكريمة،والأمن والحرية والرفاه والتعليم،وحل مشاكلهم الكثيرة في مجال التعامل المالي والصرافة مع المحيط، ومع كل دول العالم.
التحدي الاقتصادي لا يمكن التغلب عليه بالاختباء خلف الشعارات العامة والاكتفاء بما حققه الأقدمون، حيث أن المجال الاقتصادي يعد من أكثر المجالات التي تعرضت للتجديد والتطوير المذهل والمعقد، ما يفرض على من يتصدى للخطاب الإسلامي أن يلتفت إلى هذا المجال بطريقة الاعداد العلمي للاجيال، وإنشاء مراكز الدراسات والبحث، فضلاً عن الانخراط في الواقع المعاش واكتساب المهارة والخبرة من خلال المؤسسات التي تعنى بهذا الشأن، وبذل جهود كبيرة وواسعة في مجال تطوير الصيرفة الإسلاميّة، التي تمثل الجانب الأكثر تعقيداً وتطورا في مجال التعامل مع السوق وأصحاب المال على مستوى العالم.
التحدي الثالث يتمثل بالقدرة على فهم الواقع السياسي المعقد، وفهم طبيعة المرحلة، والوقوف على سماتها ومواصفاتها ومقتصياتها، وهذا يحتاج إلى انخراط عميق في الواقع و خريطة التفاصيل، دون إهمال الإطار النظري، ومعالم الرؤية الشمولية بعيدة المدى، وهذا يحتم على الذين يتصدرون الخطاب الإسلامي المعاصراتقان المعرفة لمجمل سمات المرحلة الانتقالية التي تمر بها دول المنطقة وشعوبها، ولا بد من إدراك التفاصيل الدقيقة لتطوات الأحداث السياسية، والاطلاع على مقتضيات اللعبة السياسية، وإدراك العوامل المؤثرة في القرار، وما يجري في الخفاء، وهذا لا يأتي بالانسياق خلف المصائد الإعلاميّة، والوقوع في فخ الوهج الإعلامي وحب الأضواء.
أما الأكثر أهمية في هذا الموضوع فإنه ينبغي تجنب السقوط في فخ الصراع على السلطة، الذي سيؤدي إلى تقزيم المشروع النهضوي الإسلامي الحضاري الكبير إلى مجرد حزب يتنافس على بعض المكاسب السلطوية، وبعض المواقع السياسية، ما يؤدي إلى تشويه صورة المشروع الاسلامي نتيجة استعجال بعضهم وضيق أفقه، وضحالة فكره، ما يجعل تصرفاته تنعكس على الأمة بمجملها، ويحبط نهوضها، ويعوق عبورها الجمعي لهذه المرحلة التاريخية الخطيرة.
إن التحدي الأكبر أمام الخطاب الإسلامي المعاصر، هو امتلاك القدرة على اقناع الجماهير العربية والإسلامية بطريقة نظرية وواقعية ومن خلال الشكل والمضمون، بأن الإسلام يشكل الإطار الحضاري الواسع للأمة كلها بكل مكوناتها، وهو مصدر هويتها ورسالتها ، وهو وعاء تراثها وتاريخها ،ومنظومتها القيمية النبيلة العليا التي تشكل ذاكرتها الجمعية وسجل ثقافتها الواعية.
(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير