مصارعة العبيد
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : النظريات السياسية الجديدة المتّبعة بإدارة المصالح على المستويات العالمية والدولية، والإقليمية والمحلية، تكاد تكون نسخاً تطويرية وتحسينية لنظريات قديمة، وبعضها يضرب جذوراً عميقة في التاريخ البشري العريق في إدارة موضوعات الصراع التي تمثل أبرز وجوه الحياة البشرية وأكثرها ظهوراً، وأشدها جذباً لاهتمامات الكتاب والمؤرخين والشعراء والإعلاميين، لذلك فإن المساحة الواسعة من صفحات التاريخ عبارة عن سرد للمعارك و سير قادة الحروب، بخاصة المنتصرين منهم.
تقول أحدث النظريات السياسية الحديثة التي يطلق عليها الجيل الرابع حيث تتمثل بأن تجعل خصمك يضعف نفسه بنفسه، من خلال زرع بذور الفتنة بين صفوفه، واشعال نار الاختلاف والفرقة بين مكوناته، والحرص على إثارة الشكوك والريبة وسوء الظن بين قادة (الفريق الخصم) الذي يؤدي إلى التنازع على السلطة ومواقع النفوذ، والذي يتطور إلى معارك إقصاء وتهميش أكثر ضراوة وأشد حدة من المعارك مع العدو.
هذه الصورة الجديدة هي إعادة إخراج لجوهر النظريات القديمة، فهي تحوي المضامين نفسها والأساليب ذاتها، مع تطور الوسائل والأدوات، ومع زيادة ملحوظة في ثقافة الدهاء والمكر التي تظهر بوضوح في وسائل الإعلام التي تصيغ الرأي العام وتؤثر بالوجدان الشعبي عن طريق صناعة الأخبار وتزوير الحقائق وطمسها، وتضليل العامة عن طريق شراء الذمم، واتقان مهمة الاختراقات، وإيجاد الانطباعات، والدفع باتجاه التطرف والتشدد المفضي إلى ضياع الحكمة وفقدان البصيرة.
ما يجري في معظم المساحات العربية لا يكاد يخرج عن هذا المضمون حيث تم الاستغراق من معظم الأطراف في معركة صراع داخلي، تشبه تلك الحلقات من مصارعة العبيد التي كانت تجري على مسارح الإمبراطورية الرومانية، حيث كانت تقضي التقاليد الصارمة لهذه المواجهات الدامية أن الانتصار الذي لا يتحقق إلا بموت الخصم، بمعنى أن المصارعة الرومانية القديمة يجب أن تنتهي بموت أحد المتصارعين، والمنتصر هو من بقي على قيد الحياة والذي سيحظى بشرف الخدمة.
المصارعة الرومانية القديمة ذات التقاليد الصارمة، تقوم على تقسيم المجتمع إلى أسياد وعبيد، ومهمة العبيد ليست مقتصرة على خدمة الأسياد، وخوض المعارك للدفاع عن مصالحهم وحدود دولتهم التي يستأثرون بإدارة مواردها، بل هناك مهمة أخرى للعبيد تقتضي منهم الاستغراق في معركة صراع دامٍ داخل طبقة العبيد نفسها، تجعل الذي يحظى بشرف خدمة الأسياد يجب أن يمتلك نفسية الخضوع للسيد، وأن يمتلك نفسية النقمة والحقد والتنافس والصراع مع أفراد طبقته من العبيد، ويجب أن يصل إلى ذلك المستوى النفسي الذي يجعله يقدم على القتل للمنافس تحت وهج البطولة، والشعور بالنجومية، المصحوبة بإعجاب المعجبين، وسماع تصفيق المصفقين، وأصوات المادحين والمفتونين بالعضلات المفتولة والقوى الخارقة ومهارة المبارزة، كما يتم أحياناً طباعة صور العبيد المنتصرين على الجدران والأبواب وفي الساحات العامة.
الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها من الدول الكبرى، تتقمص طبقة الأسياد في الإمبراطورية الرومانية، والأتباع يتقمصون دور العبيد، وفي النهاية، فإن الولايات المتحدة ومن معها تتعامل مع العبد المنتصر، وتمنحه كل ما يسعى إليه من مجد وشهره، عندما حقق النصر، واستطاع القضاء على الخصم المنافس، والعبد الميت لا أسف عليه بغض النظر عن خدمته السابقة.
الحل يكمن بقدرة العبيد على فهم المعادلة، وأن يتخلوا عن فكرة الصراع مع أفراد طبقتهم أولاً، أما ثانياً فيجب أن يمتلكوا القدرة على توحيد أنفسهم أمام خصومهم، وحصر الصراع مع العدو الأول، من أجل التحرر الحقيقي الذي ينقلهم إلى مستوى التفكير الصحيح، وممارسة السلوك الصحيح، والحياة السليمة الطبيعية الخالية من الاستعباد والشغل بالسخرة، وأن يعلموا علم اليقين أن سر قوتهم من ذاتهم و وحدتهم.الدستور
تقول أحدث النظريات السياسية الحديثة التي يطلق عليها الجيل الرابع حيث تتمثل بأن تجعل خصمك يضعف نفسه بنفسه، من خلال زرع بذور الفتنة بين صفوفه، واشعال نار الاختلاف والفرقة بين مكوناته، والحرص على إثارة الشكوك والريبة وسوء الظن بين قادة (الفريق الخصم) الذي يؤدي إلى التنازع على السلطة ومواقع النفوذ، والذي يتطور إلى معارك إقصاء وتهميش أكثر ضراوة وأشد حدة من المعارك مع العدو.
هذه الصورة الجديدة هي إعادة إخراج لجوهر النظريات القديمة، فهي تحوي المضامين نفسها والأساليب ذاتها، مع تطور الوسائل والأدوات، ومع زيادة ملحوظة في ثقافة الدهاء والمكر التي تظهر بوضوح في وسائل الإعلام التي تصيغ الرأي العام وتؤثر بالوجدان الشعبي عن طريق صناعة الأخبار وتزوير الحقائق وطمسها، وتضليل العامة عن طريق شراء الذمم، واتقان مهمة الاختراقات، وإيجاد الانطباعات، والدفع باتجاه التطرف والتشدد المفضي إلى ضياع الحكمة وفقدان البصيرة.
ما يجري في معظم المساحات العربية لا يكاد يخرج عن هذا المضمون حيث تم الاستغراق من معظم الأطراف في معركة صراع داخلي، تشبه تلك الحلقات من مصارعة العبيد التي كانت تجري على مسارح الإمبراطورية الرومانية، حيث كانت تقضي التقاليد الصارمة لهذه المواجهات الدامية أن الانتصار الذي لا يتحقق إلا بموت الخصم، بمعنى أن المصارعة الرومانية القديمة يجب أن تنتهي بموت أحد المتصارعين، والمنتصر هو من بقي على قيد الحياة والذي سيحظى بشرف الخدمة.
المصارعة الرومانية القديمة ذات التقاليد الصارمة، تقوم على تقسيم المجتمع إلى أسياد وعبيد، ومهمة العبيد ليست مقتصرة على خدمة الأسياد، وخوض المعارك للدفاع عن مصالحهم وحدود دولتهم التي يستأثرون بإدارة مواردها، بل هناك مهمة أخرى للعبيد تقتضي منهم الاستغراق في معركة صراع دامٍ داخل طبقة العبيد نفسها، تجعل الذي يحظى بشرف خدمة الأسياد يجب أن يمتلك نفسية الخضوع للسيد، وأن يمتلك نفسية النقمة والحقد والتنافس والصراع مع أفراد طبقته من العبيد، ويجب أن يصل إلى ذلك المستوى النفسي الذي يجعله يقدم على القتل للمنافس تحت وهج البطولة، والشعور بالنجومية، المصحوبة بإعجاب المعجبين، وسماع تصفيق المصفقين، وأصوات المادحين والمفتونين بالعضلات المفتولة والقوى الخارقة ومهارة المبارزة، كما يتم أحياناً طباعة صور العبيد المنتصرين على الجدران والأبواب وفي الساحات العامة.
الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها من الدول الكبرى، تتقمص طبقة الأسياد في الإمبراطورية الرومانية، والأتباع يتقمصون دور العبيد، وفي النهاية، فإن الولايات المتحدة ومن معها تتعامل مع العبد المنتصر، وتمنحه كل ما يسعى إليه من مجد وشهره، عندما حقق النصر، واستطاع القضاء على الخصم المنافس، والعبد الميت لا أسف عليه بغض النظر عن خدمته السابقة.
الحل يكمن بقدرة العبيد على فهم المعادلة، وأن يتخلوا عن فكرة الصراع مع أفراد طبقتهم أولاً، أما ثانياً فيجب أن يمتلكوا القدرة على توحيد أنفسهم أمام خصومهم، وحصر الصراع مع العدو الأول، من أجل التحرر الحقيقي الذي ينقلهم إلى مستوى التفكير الصحيح، وممارسة السلوك الصحيح، والحياة السليمة الطبيعية الخالية من الاستعباد والشغل بالسخرة، وأن يعلموا علم اليقين أن سر قوتهم من ذاتهم و وحدتهم.الدستور