jo24_banner
jo24_banner

روسيا تضم القرم

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : وقّع الرئيس الروسي «بوتين» معاهدة تاريخية ألحقت شبه جزيرة القرم بروسيا، على أن تدخل حيّز التنفيذ على الفور، وسط صيحات غربية تندد بالخطوة باعتبارها استيلاء على أراضي دولة أخرى، في حين وصف بوتين الخطوة بأنها متفقة مع معايير الديموقراطية.
ما فعلته روسيا اليوم فعلته أمريكا وتفعله في كل يوم، في معظم أنحاء العالم بوجه من الوجوه، فقد احتلت أفغانستان بالقوة العسكرية، واحتلت العراق بالقوة العسكرية أيضاً، وهذا ما فعلته بريطانيا عبر تاريخها، وما زالت تحتل أراضي بعيدة عنها آلاف الكيلومترات، فهي ما زالت تعلن سيطرتها على جبل طارق، وحسمت السيطرة على جزر الفوكلاند الأرجنتينية بالقوة العسكرية، واسبانيا ما زالت تواصل احتلالها لمدينتي سبتة ومليلة المغربيتين، وهذا حال فرنسا في بقاع أفريقية كثيرة، وقد أقدمت هذه الدول على انشاء كيان احتلالي في فلسطين أطلق عليه اسم»اسرائيل»، وأقدمت اسرائيل على احتلال أراض عربية مجاورة وما زالت تحتفظ بسيطرتها على الجولان والضفة الغربية منذ سبع وأربعين سنة أمام أنظار العالم الديموقراطي وغير الديموقراطي، وعلى مرأى ومسمع من هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حيث تم اتخاذ قرارات بالانسحاب، ما زالت في الأدراج.
ضم روسيا للقرم في القرن الواحد والعشرين وفي عام 2014م. هو افراز لهذا النظام الاستعماري الذي ولد من رحم الفلسفة الاستعمارية في أوائل القرن المنصرم، ومازالت الروح الاستعمارية تحرك هذه الدول، وتتعامل مع العالم المستضعف أنه ساحة للمصالح الحيوية، وحدائق خلفية، بفعل منطق القوة، البعيد عن معاني العدالة والكرامة الآدمية وحقوق الإنسان، والبعيد عن مبدأ حق تقرير المصير.
المشكلة أن هذا الواقع أصبح إطاراً فلسفياً للسياسة، وقاعدة مرجعية لتصنيف الشعوب والمجتمعات، ولتصنيف القوى السياسية من حيث وصف التقدمية والرجعية، ومن حيث التبعية للمعسكر الغربي أو الشرقي، مع اطلاق الأوصاف المختلفة والمتفاوتة التي يتم الاستثمار فيها لممارسة عملية الخداع والتضليل للرأي العام العالي.
أشد ما يجلب الغيظ أن كل معسكر يرفع شعار: «كل من ليس معي فهو تابع للمعسكر المقابل رضي أم غضب»، ويرفع سيف التصنيف عددا وافرا من السياسيين والكتاب في عالمنا العربي والإسلامي الذين رضعوا لبن هذه الفلسفة.

وتشكلت عقولهم وأفئدتهم في ظلال هذه الروح، فكل من ينتقد الموقف الروسي في أفغانستان أو أوكرانيا أو سوريا، سوف يتهم رأساً دون انتظار أنه عميل وتابع للمعسكر الأمريكي الغربي، ويخدم التحالف الصليبي الصهيوني، وكل من يقف في وجه الزحف الأمريكي، وينتقد الاحتلال الغربي فهو في الصف الإرهابي المتطرف، أو في معسكر التخلف والانغلاق.
ما ينبغي توضيحه هو ما يتعلق بنا نحن العرب، أن القوى العالمية والقوى الإقليمية ينظرون الينا على أننا قرية سهلة، وساحة للصراع والتنافس، وأننا قوم نتربع على بحر من البترول، وقدر وافر من المقدرات والخيرات ونحن لا نملك القدرة على حمايتها وحفظها، ولا نملك القدرة على مواجهة الأطماع، والشيء الملفت في هذا السياق أن أغلب أرباب الفكر وأصحاب السياسة لا يرون سبيلاً للنجاة إلّا من خلال التكيف مع هذه المعادلة.
الاحتلال الروسي للقرم، يجب أن يشكل جرس إنذار لكل شعوب العالم، التي ما زالت محكومة بنظام استعماري ظالم يؤمن بنظرية احتلال الأرض وضم الدول بالقوة ويؤمن بأنه يملك وحده حق القتل والتدمير والاعتداء المحصن بحق الفيتو، وأن المعارضة الغربية للاحتلال الروسي، لا تخرج عن هذا المفهوم ولا تتناقض مع هذه الفلسفة ولا تصادم هذه الروح التسلطية.


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير