jo24_banner
jo24_banner

الانقلاب العسكري في مصر

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : كثير من السياسيين والمراقبين للشأن المصري، وصفوا ما تم في مصر بأنه عبارة عن " انقلاب عسكري " بكل معنى الكلمة، ولكن بأدوات مختلفة. فبدلاً من المجيء بالدبابات العسكرية التي تحاصر المقرات وتعتقل القيادات، وتحتل مراكز التوجيه، تم استخدام الأدوات الناعمة التي تعيد الأمور إلى المربع الأول بقرار دستوري، قادر على العصف بكل المنجزات الشعبية، والإتيان على كل منجزات الثورة، والعودة إلى المربع الأول .
من أهم منجزات الثورة الشعبية هي تمكين الشعب من اختيار ممثليه بطريقة حرةَ ونزيهة، بحيث يتولى هؤلاء الممثلون إدارة شأن البلاد كلها، من حيث اختيار الحكومة والفريق التنفيذي، ومن حيث وضع الدستور الجديد للدولة ، وإصلاح التشريعات التي تمت صياغتها عبر النظام البائد، من أجل السير في دروب العدالة، من خلال إيحاد المؤسسات الدستورية الجديدة التي تستمد شرعيتها من غالبية الشعب المصري.
عندما تمت الإطاحة برأس النظام السابق ومحاكمته، وإجراء انتخابات تشريعية عامة، أسفرت النتائج عن حقائق ليست مرغوبة لكثير من الأطراف السياسية الخارجية والداخلية، الأطراف الخارجية الممثلة بأمريكا ( وإسرائيل ) وحلفائهما، وكذلك الأطراف الداخلية الممثلة بالحزب الوطني المنحل، وفلول النظام السابق، وكل مؤسساته العسكرية والقضائية والإدارية ، ومعهم كم هائل من الخصوم السياسيين، كل هؤلاء وأولئك تحالفوا من أجل إحباط منجزات الشعب المصري، وعملوا على وضع مخطط جهنمي للعصف بمنجزات الثورة، ولا أدل على ذلك من الخطوات والمؤشرات التي تم اتباعها خلال هذه الفترة القصيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، قرار وزير العدل الاستباقي بمنح الحق لضباط المخابرات والأمن وضباط الصف باعتقال أي مدني يخالف الأنظمة والتعليمات، تحسباً للقرار المدروس والمعروف مسبقاً الذي سوف تصدره المحكمة الدستورية، مما يشير إلى معرفة القرار قبل صدوره، ليس مجرد المعرفة، بل المشاركة في الإعداد والصياغة من قبل كل الأطراف المتنفذة التي قررت الاستيلاء على السلطة وتغييب الشعب المصري عبر خطة محكمة !
وهنا نحن أمام معضلتين كبيرتين تم ارتكابهما :-
المعضلة الأولى: تتمثل في عدم إدراك القوى السياسية المؤثرة والفاعلة في الشعب المصري لتطورات الواقع السياسي بدقة، بحيث إنها لم تتوحَد على خارطة طريق واضحة يتم من خلالها التعاون على اقتلاع النظام السابق من جذوره، وعدم السماح لمؤسسات النظام الرئيسية والمرتبطة في الخارج البقاء إلى هذا الوقت في تسيير أمور البلاد .
المعضلة الثانية: تتمثل بإشعال خصومة المنافسة بين مكونات الثورة والقوى السياسية في موضوع انتخابات الرئاسة، وتم تبادل الاتهامات وعقد الصفقات، بحيث تم إضعاف قوة الشعب والثورة في مواجهة مؤسسات النظام، التي وجدت الفسحة للتخطيط والتنفيذ من أجل التمكين لمرشح النظام البائد.
وهنا يجب توجيه تساؤل ضخم بحجم الوطن، لمصلحة من جرى ويجري إيهام ثورة الشعب بأنها أمريكية أو برتقالية أو صناعة غربية،وهل ما عملته المؤسسة العسكرية المصرية من انقلاب على الثورة وحل مجلس الشعب كان موجهاً ضد أمريكا وإسرائيل، وهل المجلس العسكري وكل أدوات النظام السابق والمرشح أحمد شفيق ضد الثورة البرتقالية المصرية أم هو معها ؟ هذا السؤال برسم الإجابة لكل الذين خذلوا ثورات الشعوب العربية، ووصفوها بأسوأ الصفات، حيث إنهم قدموا خدمة كبيرة لإسرائيل و أمريكا ، بالتهوين من منجزات الثورات الشعبية وإثارة الشكوك والبلبلة حولها، لا لشيء إلاَ من باب تعطيل وصول الإسلاميين، ولو كان في ذلك تمكين ( إسرائيل) وأمريكا وحلفائهما من البقاء في سدة القرار و إدارة المشهد إلى الأبد .
العرب اليوم
تابعو الأردن 24 على google news