jo24_banner
jo24_banner

فوز أردوغان وما ينبغي أن يقال

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : أردوغان يمثل ظاهرة من ظواهر النجاح في العصر الحاضر، فقد استطاع أن يشكل نموذجاً متقدماً يجمع ما بين الأصالة والمعاصرة، كما استطاع أن يشتق برنامجاً متكاملاً لإدارة الدولة، أثبت قدرته على حل مشاكل تركيا المستعصية وخاصة على الصعيد الاقتصادي، حيث انتقل بتركيا من دولة ترزح تحت عبء الدين الخارجي الذي زاد عن (450) مليار دولار، إلى دولة خالية من الديون، خلال عشر سنوات، ويستعد للانطلاق للأمام ليحتل مرتبة متقدمة على صعيد ترتيب الدول على مستوى العالم في عام (2022) م، وهناك نماذج أخرى تحكي قصة نجاح عالمية، مثل سنغافورا، وماليزيا، والبرازيل، تستحق الإشادة والتقدير.

ما ينبغي الإشارة اليه في هذا السياق أن أردوغان، لم يرفع شعار الإسلام، ولم يقل عن نفسه أنه حزب اسلامي، بل كان يصف نفسه بأنه يتبنى العلمانية الصحيحة البعيدة عن التطرف، وهو يرى أن لا تعارض بين الاسلام وبين هذا النمط من الفهم، ومن هنا فهو لم يستند في قصة نجاحه إلى الدين، ولم يستند إلى إثارة العواطف التركية بقدر ما أراد أن يثبت قدرته على تنفيذ برنامج مدروس قادر على انتشال تركيا، ولا يتعارض مع منظومة قيم الشعب التركي المسلم، وقد حقق ما وعد به بنجاح.

أردوغان له جذوره الإسلاميّة، ويحمل في قرارة نفسه هذه الهوية العميقة، لكنها لم تكن جزءاً من برنامجه المطروح على الناس، ولم يجعلها شعاراً لحملته الانتخابية، ولم يستثمر فيها بشكل مباشر لكسب الأصوات ودغدغة العواطف، لأن ذلك يمثل خطراً كبيراً على الاسلام في حالة من كان يحمل هذا الشعار عاجزاً عن اشتقاق برنامج عمل ناجح، أو كان عاجزاً عن حل مشاكل الناس وإدارة الدولة بكفاءة، وغير قادر على التعامل مع قضايا العصر المعقدة وفقاً لمعايير الخبرة والتخصص والإعداد الحقيقي في ميدان العمل والتطبيق.

معركة أردوغان الأخيرة كانت شرسة وخطرة، وكانت في نظر بعض المراقبين تمثل محطة فاصلة ومهمة أشبه ما تكون بالمغامرة، ولكن ما يجب الالتفات اليه بوضوح أن معركة أردوغان الساخنة كانت مع حلفائه (الإسلاميين) وهم جماعة الخدمة (أتباع غولن)، وهنا كان مكمن الخطر، ومصدر الخوف على حزب العدالة والتنمية، مما يؤكد القول أن المعركة لم تكن بين المسلمين والكفار، وليست كما يتم تصويرها بين جيش (محمد صلى الله عليه وسلم) وجيش قريش في بدر، فالمعركة في تركيا الديمقراطية، تدور على البرامج، وتمثل التنافس المشروع على كسب ثقة الشعب من خلال الإنجاز، والقدرة على إثبات النجاح في الميدان، واتقان فن إدارة الموارد.

ويؤكد صحة هذا المعنى ما استخدمه خصومه من أسلحة مضادة، حيث أرادوا أن يضربوا مصداقية أردوغان وحزبه من خلال اثبات تورط بعض وزرائه في الفساد عن طريق نصب المصائد واعداد التسجيلات، لأن راس مال أردوغان يتمثل في نظافته وصلاحه وقدرته على محاربة الفساد بشكل رئيس، وقد كان خطأ جماعة (غولن) الاستراتيجي في مخالفة منهجهم الذي يقضي بعدم التدخل بالسياسة، والخطأ الأكبر الذي لا يغتفر يتمثل بتهريب أسرار المجلس الأمني.

ما نود قوله أن الشعوب الإسلاميّة كلها قالت كلمتها بانحيازها العام والغالب نحو الإسلام بوصفه اطاراً حضارياً واسعاً للأمة، وبوصفه مصدراً لهويتها الجامعة وثقافتها الأصيلة، ومرجعية قيمية لحياتها، منذ الثمانينات، وعلى الأحزاب والقوى الاسلاميّة أن تتخطى هذه المرحلة، وأن لا تبقى أسيرة معركة إثبات الذات ومعركة إثبات اسلامية الشعوب المسلمة، فقد آن الأوان للانتقال بالمعركة نحو الصراع على البرامج واثبات القدرة على حل مشاكل الشعوب، والانتقال نحو انجاز البديل الذي يحظى بثقة الشعوب عن جدارة واستحقاق في ميدان العمل وإدارة الدولة بشمول، كما فعل (مهاتير محمد) في ماليزيا، وكما فعل أردوغان في تركيا، وكما فعل نلسون مانديلا في جنوب افريقيا، وسليفا في البرازيل من غير الإسلاميين.

بمعنى آخر ينبغي أن تعمل القوى الإسلامية على خدمة الإسلام من خلال الإعداد والبرامج والخدمة العامة للشعب، وليس أن يكون الاسلام خادماً لبعضهم في الوصول إلى السلطة، أو استخدام الإسلام للتغطية على العجز والفشل، كما يجب عدم جعل الاسلام خطاً للمواجهة بين مكونات الأمة الاسلامية والشعوب العربية، ويجب عدم الاستجابة في الانجرار إلى الخلف، والبقاء في شكل الصراع الذي كان قائماً قبل أربعين أو خمسين عاماً على الأقل، فهذا لا يشكل تقدماً، بل هو التأخّر بعينه.

أردوغان بحاجة إلى مزيد من رباطة الجأش، ومزيد من الهدوء وتجنب الانفعال والتوتر، من أجل الحفاظ على هذه التجربة الفذة التي تمثل نموذجاً ناجحاً على الصعيد الإسلامي والعربي.


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير