jo24_banner
jo24_banner

الشعوب ومعركة التحول

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : قصار النظر يفهمون المعارك التي تخوضها الشعوب العربية الآن ضد المستبدين والمفسدين، أنها معركة على السلطة، ولذلك نجد معظم الكتاب والصحافيين يحصرون تحليلاتهم في هذه الدائرة الضيقة من الفهم، واعتقد أن هذا الفهم في غاية السطحية والبساطة، لأن المعركة الدائرة لها مؤشرات ودلالات أكثر عمقاً وأبعد نظراً مما يهيأ لهولاء، وليست مجرد الوصول الى كرسي الحكم.
الوصول الى قمة السلطة ليس انتصاراً حقيقياً، وليس هو الثمرة الحقيقية للجهاد الطويل الذي تخوضه قوى التغيير منذ ثمانين عاماً، أي منذ سقوط الدولة العثمانية، ووقوع أقطار العالم العربي والاسلامي تحت نير الاستعمار الغربي، فالمعركة الحقيقية تتجلى في احداث التحول العميق والجذري في حياة الشعوب العربية ووعيها وادراكها لواقعها السياسي والاجتماعي وقدرتها الجماعية على الامساك بدفة التغيير.
أدركت الشعوب العربية أنها ما زالت تزرح تحت الاستعمار، ولكنه استعمار أكثر خطورة وأشد دهاءً، فالاستعمار الغربي الذي كان يدير المنطقة بنفسه وجنوده من ذوي العيون الزرقاء، واللكنة ( المطبشة) ، ومن خلال المندوب السامي، الذي استولى على المقدرات ونهب الخيرات، وقتل الاحرار، وشرد بهم من خلفهم، أدركت الشعوب بعد معركة طويلة أنها تقع تحت استعمار الوكلاء الذين استولوا على مقاليد السلطة، واستمروا في مسلسل النهب لمقدرات الشعوب وأموالها العامة، واستمر مسلسل مطاردة الاحرار وقتلهم والتضييق على حريات الشعوب، وممارسة انواع التضليل والخداع كافة، ولكن بوجوه عربية ولسان عربي وشعارات نضالية، وخطابات فصيحة تأخذ الالباب، ونامت الشعوب العربية ردحاً من الزمن وغفلت عن حقوقها المهدورة وأموالها المنهوبة.
الآن استيقظت الشعوب العربية وثارت على الوكلاء، واسقطت بعضهم ولا زالت معركة التحول طويلة ومستمرة، وبعض الشعوب ما زالت تتثاءب بين الصحوة واليقظة، ولكن الصحوة التامة مقبلة، واليقظة العارمة آتية لا محالة، وما معارك الانتخابات الا مؤشر على مقدار التحول واليقظة، واذا كانت بقايا الانظمة البائدة ما زالت قادرة على خداع بعض فئات الشعب، وقادرة على استخدام المال والنفوذ، وقادرة على استغلال الاعلام والفضائيات المأجورة، وقادرة على اثارة الخصومة السياسية بين القوى الاجتماعية، وقادرة على المنافسة، فهذا أمر مؤقت، ويدل على التدرج في التحول العميق والجذري داخل نفوس الشعوب العربية وعقولها ووجدانها، الذي لا تستطيع ملاحظته العيون الرمداء، والذين يبشرون بأفول نجم قوى التغيير والاصلاح، من خلال المحكمة الدستورية المصرية فانهم واهمون ويتصفون بقصر النظر والاصلاح وبساطة التحليل وضحالة الادراك، فمعركة التحول الشعبي تجرى بقوة وعمق وان كانت ببطء، وسوف تطيح بكل المستبدين والطغاة، وكل الذين يدورون في فلكهم، وكل الذين يعيشون على فتاتهم، وكل ما يتصل بهم من غثاء وزبد، فكل ذلك سيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض.
العرب اليوم
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير