jo24_banner
jo24_banner

لحظة الحقيقة!

جمانة غنيمات
جو 24 : أكثر ما يثير الانتباه في نتائج الدراسة الميدانية التي أعدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول منطقة القطرانة، هو الجانب المتعلق بالفجوة بين جيل شباب المنطقة والجيل القديم من شيوخ ووجهاء.
الدراسة، التي نشرتها الزميلة سماح بيبرس في ملحق "سوق ومال" الأسبوع الماضي، اعتبرت الاختلاف بين الجيل الجديد وبين الآباء والأجداد ظاهرة غريبة على مجتمع بدوي عشائري محافظ، تحكمه مجموعة من القيم والتقاليد تحدد نمط ونوع العلاقات بين مكوناته.
بيد أن واقع الحال والتغيرات التي تعايش معها هذا الجيل وغيره خلال السنوات الماضية، أثرت في وعيه، وكانت ستؤدي بالضرورة إلى هذه النتيجة.
فالتطورات والتغيرات التي لحقت بالمجتمعات المحلية ما بعد الربيع العربي وقبله، أثرت في قناعات كثير من جيل الآباء، فكيف سيكون الحال مع جيل الشباب الذي تفجرت طاقاته في ظل ثورات عربية، واكتشف في لحظة ما أن بقاء المعادلات التي تحكم أمره على حالها غير ممكن، حيث الوعي الذي بلغه وإدراكه لحقوقه لا ينسجم مع ذلك.
والتعامل مع الشباب بذات العقلية الأبوية والعرفية التي استخدمت مع الأجيال السابقة لم يعد أمرا ذا فعالية. وثمة معطيات تفرض نفسها، وتوجب تغير آليات التعامل مع المجتمع، بحيث تواكب تطور متطلباته التي لم تعد تقتصر على محاربة الفقر والبطالة.
الاختلاف بين الأجيال مسألة حتمية، وهذا ما لم تدركه الحكومات، التي ما تزال تسعى إلى إدارة دفة الأمور بعقلية مسؤول لا يخضع للمساءلة والمحاسبة، ويسرف في إهمال أداء مسؤولياته حيال خدمة المجتمعات، حتى جاءت لحظة الحقيقة والرفض لكل ما مضى.
النجاة تتطلب تغيير المنهجيات، والإيمان أن ما كان لم يعد ممكنا القبول به، وكل التطاول على الحقوق والاستهتار في شؤون الناس آن أوان التوقف عنه.
طرق تعامل الحكومات والسلطات مع المجتمعات قادت إلى نتيجة ثانية خلصت لها الدراسة، التي تكشف أن شعور أهالي المنطقة بالتهميش والحرمان من أهم الأسباب لحراك الشباب في المنطقة. وهذه النتيجة متوقعة؛ فأسلوب "التطنيش" والإهمال وتراخي المسؤولين على مدى عقود في خلق تنمية اقتصادية أوصلنا إلى هذه النتيجة. وما عمق الشعور بالغربة، الظروف الاقتصادية، وانتشار وسائل الاتصالات، التي شكلت عوامل ضغط باتجاه تغيير اجتماعي عبّر عنه الشباب بالخروج في حراك سياسي مطلبي، يرفض قواعد اللعبة القديمة التي تم من خلالها استغلال المجتمعات أسوأ استغلال، إلى درجة لم تعد معها قادرة على تحمل المزيد؛ فخرجت إلى الشارع لتقول كفى فسادا وظلما وفقرا وإهمالا وتهميشا واستعلاء وفوقية، فالأصل في الأشياء أن تكون الحكومات خادمة للشعوب، وليس العكس.
لواء القطرانة ليس استثناء عن محافظات أخرى وأحياء وألوية وبلديات؛ فمعدلات الفقر في اللواء تقارب أرقام مناطق أخرى كثيرة؛ إذ تتجاوز نسبة الفقر في القطرانة 33.2 % ونسبة البطالة 37.9 %، فيما تصل نسبة الأمية إلى 30.9 % من عدد السكان.
ونتيجة دراسة القطرانة يمكن إسقاطها على كثير من المناطق في حدود العاصمة وخارجها على امتداد الوطن. والخروج للاحتجاج (سياسيا أو مطلبيا) الذي بدأ يتسع مداه، أمر طبيعي في ظل شعور المجتمعات بالتهميش والقهر، فالجيل الجديد ليس كأسلافه، وحاجته للعدالة وتكافؤ الفرص ودولة القانون تفوق حاجته لسياسات عرجاء طالما ظلمته.
حناجر الشباب التي صدحت رفضا للبطالة والفقر والعوز وتقصير الحكومات، تختلف كثيرا عن تلك التي يملكها الآباء. ولهذا الاختلاف طعم وأثر وجب فهمهما والتعاطي معهما بشكل مختلف.
الغد
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير