الفنانون: لن نرفع الراية البيضاء وسنذهب إلى أبعد مدى
«الفنانون يحرسون وجدان الناس... ويدافعون عن الوطن والمواطن»، عبارة تتردد كثيراً هذه الأيام في زوايا النقابة العامة للفنانين الأردنيين وأروقتها، والواقعة ضمن حي تراثي قديم في منطقة الويبدة وسط العاصمة عمان. والواضح أن هذه الكلمات وغيرها، جاءت لتختصر مشاعر العشرات من الفنانين، الذين دخلوا في اعتصام مفتوح أمام مقر نقابتهم منذ أيام، احتجاجاً على ما قالوا إنه «تهميش رسمي متعمد يستهدف حالتهم الإبداعية».
وأتى تهديد الفنانين بالنزول إلى الشارع والإضراب المفتوح عن الطعام ليزيد نار غضبهم، ويؤكد حالة الاحتقان بل الغليان التي وصلوا إليها، بسبب غيابهم أو تغييبهم قسراً كما يقولون عن شاشة التلفزيون الوطنية الرسمية. وجدّد نقيب الفنانين الأرنيين حسين الخطيب تهديده باللجوء إلى الإضراب المفتوح عن الطعام.
وقال لـ «الحياة» التي تجولت على مدى يومين في خيمة الاعتصام المنصوبة على أبواب النقابة، إن «الحركة الفنية الأردنية ستنزل إلى الشارع، وستذهب إلى أبعد مدى مستخدمة جميع الوسائل السلمية، في سبيل نيل مطالبها». لكن مصادر رفيعة المستوى في الحكومة الأردنية أوضحت لـ «الحياة» أن «أسباباً اقتصادية بحتة تقف وراء عجزنا عن تلبية مطالب الفنانين المحقة»، لافتة إلى أن موازنة الدولة تعاني عجزاً يفوق 21 بليون دولار.
ويروي فنانون أردنيون في خيمة الاعتصام مشاهد صادمة عن الأوضاع الاقتصادية والنفسية التي آلوا إليها. وفي ذلك المكان المشحون بقائمة طويلة من الهموم المطلبية، يقرأ المعتصمون أسئلة تحمل في طياتها حالة من السخط المتنامي: «مَنْ المسؤول عن قتل الدراما الأردنية؟»، و«لمصلحة مَنْ يغيَّب الفنان الأردني عن الشاشة الوطنية أو عن المسرح؟»، و «لمصلحة مَنْ أيضاً إقصاء الفنان عن المناصب القيادية؟».
ويقول محمد العبادي أحد أبرز مؤسسي الحركة الفنية في الأردن، إن «بعض الزملاء لم يعد بمقدورهم دفع بدلات إيجار منازلهم، فيما يشكو آخرون من عدم القدرة على توفير الأقساط المدرسية والجامعية الخاصة بأبنائهم...!».
ويضيف: «أصيب زملاء كثر بأمراض مزمنة ولم يتمكنوا من دفع فواتير العلاج، فقضوا تحت مخالب الموت».
ويتحدث العبادي الذي حفرت الزمن أخاديد عميقة في وجهه، عما سماه «تجاهل الدولة لمعاناة الفنان عثمان الشمايلة في مرضه، هو الذي مثل المملكة محلياً وعربياً في عدد من الأعمال الدرامية والمسرحية». ويقول: «لولا تدخل الديوان الملكي في اللحظة الأخيرة، لكان الزميل الآن في عداد الأموات!».
ويؤكد العبادي الذي صعد إلى خشبة المسرح للمرة الأولى قبل خمسة عقود، أنه ما «زال يشكو قلة الحيلة ويسكن بيتاً مستأجراً».
حكاية الفنان ربيع شهاب جاءت لتلخص مسلسل «التهميش» الذي يتحدث عنه الفنانون في الأردن، فالأخير جلب السعادة لملايين الأردنيين منتصف ثمانينات القرن الماضي وبداية تسعيناته، ولكنه اضطر للانسحاب من الساحة الفنية إثر إصابته بجلطة دماغية ألزمته الفراش، حينها لم يجد من يمد له يد العون لتلقي العلاج! وبعد مرور سنوات على إصابته بشلل نصفي، يرقد شهاب على سرير خشبي متهالك أثقلته سنون الحرمان ونكران الجميل، كما يقول المقربون منه. ويمضي معظم وقته متأملاً جدران غرفة صغيرة، تختزل وفق رفاق المهنة عقوداً طويلة من الأعمال الفنية التي قادته إلى نجاحات متتالية على المستويين المحلي والعربي.
ويقول الفنان زهير النوباني إن «ربيع شهاب كان قريباً من هموم الناس وقضاياهم الاجتماعية عبر أعمال مميزة، تمثل اليوم جزءاً من ذاكرة الوطن». ويأسف لأن هذا الفنان «لم يحظَ بالدعم اللازم من الجهات الرسمية، بل واجه الظلم والنسيان». ولا يتردد في اتهام أطراف لم يسمها، بالسعي إلى إجهاض المسيرة الفنية في الأردن. ويقول إن «الحركة الفنية المحلية كان لها دور فاعل خلال سبعينات القرن المنصرم وثمانيناته، ومع ذلك فإن الدراما الأردنية كانت وما زالت تباع بأبخس الأثمان». ويجزم بأن هناك من يخطط للإعلان رسمياً عن «وفاة الفن والفنان الأردنيين».
وتؤيد الفنانة عبير عيسى ما ذهب إليه بقولها إن «سياسة التهميش التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة للفنانين لم تعد تجدي». وتلفت إلى أن تصعيد النقابة يرمي إلى «وضع الأمور في نصابها من حيث الضغط على الجهات الرسمية، لإعادة الاعتبار الى الفن باعتباره أولوية». وتؤكد أنها والكثير من زملائها «مستمرون في الاحتجاج والتصعيد حتى ينالوا حقوقهم غير منقوصة».
ويقدم الفنان والمخرج المسرحي مازن عجاوي شهادته بأن «الفنانين لن يهاجروا بأعمالهم إلى خارج الأردن، مهما كان حجم الظلم الواقع عليهم». ويقول بصوت متهدج إن «الكثير من الزملاء يعانون أمراضاً نفسية لا سيما تلك المتعلقة بحالات الاكتئاب»، لكنه يستدرك أن الفنان الأردني «لن يرفع الراية البيضاء».
ويطالب الفنانون في الأردن بإنشاء شركة تعنى بالإنتاج الفني، ومنحهم تأميناً صحيّاً شاملاً، وتفعيل دور الإذاعة والتلفزيون ليكونا من الدعائم الأساسية للحركة الفنية المحلية(الحياة اللندنية- تامر الصمادي)