"الفاتورة لو سمحت"
جمانة غنيمات
جو 24 : كثيرا ما نلوم الحكومات على تقصيرها في محاصرة المتهربين من الضريبة، ونعلّق على عجزها في تحصيل حقوق الخزينة من أموال تقدرها الدراسات بـ 800 مليون دينار.
قصة التهرب الضريبي قديمة، وتشخيصها بات جليا، فالغالبية تعلم أن ثمة مهنا وقطاعات بعينها تتنصل من الوفاء بواجباتها، فيما صوتها عال مطالبة بالحقوق.
الملفت أن معظم المتهربين من الضريبة هم من المهنيين، الذين يتبعون لنقابات طالما طالبت بالإصلاح، ومحاربة الفساد، فيما منتسبوها الذين يحققون مداخيل بمئات الآلاف يرتكبون هذا النوع من الجرائم بحق البلد.
لوم التقصير الرسمي على غياب الأدوات الفعّالة في محاصرة المتهربين مسألة تتكرر، والظاهر أن الحكومة تعجز عن التخفيف من هذه المشكلة التي تستفز الناس وتلقى انتقادا كبيرا، كونها لا تقل خطورة عن الفساد المالي، فالتهرب من الضريبة اعتداء على المال العام، لكن بطريقة مختلفة.
تعديل قانون الضريبة قائم، وتغليظ العقوبات مسألة تفكر فيها الحكومة، بيد أن السؤال المهم: ما نفع تعديل التشريعات بينما فرص ضبط المتهربين محدودة، في ظل الأفكار التقليدية؟.
القطاع الطبي والصحي أنموذج صارخ على هذه الممارسة، والقصص كثيرة عن مئات الآلاف التي يجنونها شهريا دون حسيب أو رقيب، فيما أطباء القطاع العام من أصحاب المداخيل المعروفة يلتزمون بتسديد الضريبة، وزملاؤهم ينعمون بمال وفير وأرباح طائلة.
يشكو طبيب معروف يعمل في احد المستشفيات شبه الحكومية براتب مرتفع، من أن عليه أن يدفع جزءا كبيرا من دخله للضريبة، فيما يعلم هو المبالغ الكبيرة التي يحققها زملاء له بالمهنة، دون أن يدفعوا فلسا واحدا للضريبة، مشيرا إلى أن استمرار الضغوط عليه وعلى أمثاله من الأطباء يدفعهم لمغادرة مواقعهم إلى خارج الأردن، فيما غيرهم فوق القانون.
الملاحظ أن هذه القطاعات المتهربة من تسديد الضريبة تفضل دوما الحصول على أجرها نقدا، وترفض في كثير من الحالات التسديد عبر بطاقات الدفع أو الشيكات، والسبب بسيط ومعروف، وهو استكمال مسلسل التهرب الضريبي.
الحل لدى الجهات التنفيذية يكمن في إلزام هذه القطاعات بنظام فوترة يكشف مداخيلها الحقيقية، وهذا لن ينجح دون وعي شعبي بضرورة الحصول على الفاتورة من قبل المستهلك بقدر ما يدفع ودون تلاعب بالقيمة.
ثقافة الفاتورة لو سمحت غير موجودة، ولم نتعود عليها حتى الآن، وربما آن الأوان لإطلاق حملة حكومية للعامة تحت عنوان" الفاتورة لو سمحت"، وبذلك يمكن الحد من هذه الظاهرة التي عجزت حكومات متلاحقة عن تحقيقها.
الفشل الحكومي ندفع ثمنه جميعا، كون الخزينة تعتمد بالدرجة الأولى على الضرائب في تحقيق مواردها المالية، وفشلها في تقليل التهرب الضريبي يدفعها لمعاقبة القطاعات الملتزمة بتسديد الضريبة.
نجاح الفكرة أيضا، مرهون بتوليد قناعة شعبية بأن زيادة الإيرادات الضريبية جراء محاصرة التهرب، ستؤدي إلى تقليل العبء عليهم، ليكونوا جزءا من الشبكة المستفيدة من زيادة الإيرادات، وهذا الشرط ضرورة لتنفيذ الفكرة، بشكل يخدم الخزينة، ويقلل العبء عن الناس.
تقليص فجوة الثقة، مسألة ضرورية لإنفاذ الفكرة؛ إذ صار معروفا أن علاج التهرب الضريبي، غير ممكن عبر الأساليب التقليدية التي طالما لوحت بها الحكومات وكان مصيرها الفشل.
jumanaghunaimat@
(الغد)
قصة التهرب الضريبي قديمة، وتشخيصها بات جليا، فالغالبية تعلم أن ثمة مهنا وقطاعات بعينها تتنصل من الوفاء بواجباتها، فيما صوتها عال مطالبة بالحقوق.
الملفت أن معظم المتهربين من الضريبة هم من المهنيين، الذين يتبعون لنقابات طالما طالبت بالإصلاح، ومحاربة الفساد، فيما منتسبوها الذين يحققون مداخيل بمئات الآلاف يرتكبون هذا النوع من الجرائم بحق البلد.
لوم التقصير الرسمي على غياب الأدوات الفعّالة في محاصرة المتهربين مسألة تتكرر، والظاهر أن الحكومة تعجز عن التخفيف من هذه المشكلة التي تستفز الناس وتلقى انتقادا كبيرا، كونها لا تقل خطورة عن الفساد المالي، فالتهرب من الضريبة اعتداء على المال العام، لكن بطريقة مختلفة.
تعديل قانون الضريبة قائم، وتغليظ العقوبات مسألة تفكر فيها الحكومة، بيد أن السؤال المهم: ما نفع تعديل التشريعات بينما فرص ضبط المتهربين محدودة، في ظل الأفكار التقليدية؟.
القطاع الطبي والصحي أنموذج صارخ على هذه الممارسة، والقصص كثيرة عن مئات الآلاف التي يجنونها شهريا دون حسيب أو رقيب، فيما أطباء القطاع العام من أصحاب المداخيل المعروفة يلتزمون بتسديد الضريبة، وزملاؤهم ينعمون بمال وفير وأرباح طائلة.
يشكو طبيب معروف يعمل في احد المستشفيات شبه الحكومية براتب مرتفع، من أن عليه أن يدفع جزءا كبيرا من دخله للضريبة، فيما يعلم هو المبالغ الكبيرة التي يحققها زملاء له بالمهنة، دون أن يدفعوا فلسا واحدا للضريبة، مشيرا إلى أن استمرار الضغوط عليه وعلى أمثاله من الأطباء يدفعهم لمغادرة مواقعهم إلى خارج الأردن، فيما غيرهم فوق القانون.
الملاحظ أن هذه القطاعات المتهربة من تسديد الضريبة تفضل دوما الحصول على أجرها نقدا، وترفض في كثير من الحالات التسديد عبر بطاقات الدفع أو الشيكات، والسبب بسيط ومعروف، وهو استكمال مسلسل التهرب الضريبي.
الحل لدى الجهات التنفيذية يكمن في إلزام هذه القطاعات بنظام فوترة يكشف مداخيلها الحقيقية، وهذا لن ينجح دون وعي شعبي بضرورة الحصول على الفاتورة من قبل المستهلك بقدر ما يدفع ودون تلاعب بالقيمة.
ثقافة الفاتورة لو سمحت غير موجودة، ولم نتعود عليها حتى الآن، وربما آن الأوان لإطلاق حملة حكومية للعامة تحت عنوان" الفاتورة لو سمحت"، وبذلك يمكن الحد من هذه الظاهرة التي عجزت حكومات متلاحقة عن تحقيقها.
الفشل الحكومي ندفع ثمنه جميعا، كون الخزينة تعتمد بالدرجة الأولى على الضرائب في تحقيق مواردها المالية، وفشلها في تقليل التهرب الضريبي يدفعها لمعاقبة القطاعات الملتزمة بتسديد الضريبة.
نجاح الفكرة أيضا، مرهون بتوليد قناعة شعبية بأن زيادة الإيرادات الضريبية جراء محاصرة التهرب، ستؤدي إلى تقليل العبء عليهم، ليكونوا جزءا من الشبكة المستفيدة من زيادة الإيرادات، وهذا الشرط ضرورة لتنفيذ الفكرة، بشكل يخدم الخزينة، ويقلل العبء عن الناس.
تقليص فجوة الثقة، مسألة ضرورية لإنفاذ الفكرة؛ إذ صار معروفا أن علاج التهرب الضريبي، غير ممكن عبر الأساليب التقليدية التي طالما لوحت بها الحكومات وكان مصيرها الفشل.
jumanaghunaimat@
(الغد)