الزراعة والمزارعون
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : يقول صديقي الذي يسكن في منطقة الجبيهة: أن صاحب الأرض المجاورة يعرض عليه الدونم بنصف مليون دينار أردني، مع شيء من المراعاة بالطبع بسبب حسن الجوار، ولك أن تقارن أن أخي «أبو هارون» اشترى قبل مدة وجيزة بعض الدونمات الزراعية في قرية السبيرة الواقعة في غور «فارة» قرب بلدة وادي اليابس، بـ(1000) دينار للدونم الواحد، علماً بأن الأرض مروّية بماء النبع، ويقول بأن هذا السعر الدارج.
هذه المقارنة بين أسعار الأرض في العاصمة لأغراض البناء والسكن، وبين أسعارها في الأرض المروّيه المنتجة، تختصر مشكلة الزراعة والمزارعين المعتصمين بدابوق، لعلهم يُسمعون صوتهم لبعض أصحاب القرار، وتختصر لنا جميعاً المشهد الزراعي برمته، وتختصر فلسفة الزراعة في الأردن واستراتيجيتها المستقبلية المرعبة.
يبدو أن المسألة متعلقة فعلاً ببعد غير معلن في التخطيط الحكومي بعيد المدى منذ سنوات طويلة ينطوي على مقولة أن الأردن من أفقر خمس دول في المياه، والزراعة تحتاج إلى مياه، ولذلك لا تشكل الزراعة مورداً اقتصادياً معقولاً على مستوى الانتاج القومي، ولا يجوز الاعتماد عليها في هذا المجال، مما جعل نسبة اسهام القطاع الزراعي في الانتاج القومي في تدنٍ مستمر، وتراجع مذهل، حيث تقول بعض الأرقام إن صحت انها لا تكاد تصل إلى 2% من مجمل الانتاج، ولذلك يذهب أصحاب هذا الرأي إلى تبني اقتراحات أخرى مثل السياحة، واقتصاد الخدمات، وتشجيع الصناعات الالكترونية وغير ذلك من أمور.
إن صحت هذه الرواية، فهذا يبشر بأن خيمة المزارعين في دابوق سوف تستمر طويلاً، خاصة في ظل صمت الحكومة، وعدم تحركها الفعلي نحو الحوار مع المزارعين، ولا التوجه نحو إيجاد حلول لمشاكلهم المزمنة، التي يشعر المزارعون إزاءها بالإحباط والمرارة،ولا يلوح في الأفق أي بارقة أمل تدعوهم إلى الطمأنينة.
أوضاع الزراعة والمزارعين أصبحت حرجة للغاية، وتحتاج إلى جدية حقيقية وعالية المستوى تدعو إلى ضرورة التحرك الفوري نحو إنقاذ هذا القطاع الذي يؤثر في مصير شريحة واسعة وكبيرة من الشعب الأردني ممن ربطوا مصيرهم بالأرض، ومن الذين توارثوا حب الأرض عبر سلسلة بشرية تعود إلى أعماق الزمن ولا يرون أنفسهم خارج هذا السياق.
بقية مقال د. رحيّل الغرايبة
المنشور علي الصفحة الاخيرة
المطلوب من الحكومة أولاً امتلاك الجدية المطلوبة في البحث عن الحل وبعد ذلك عقد جولات من الحوار مع أصحاب العلاقة والاطلاع الكامل على حيثيات المشكلة، ومن ثم لا بد من عقد مؤتمر كبير متخصص في هذه المسألة على وجه التحديد يشارك فيه أطراف حكومية من أهل الاختصاص، وممثلوا القطاع الزراعي، وعن نقابة المهندسين الزراعيين، ونقابة البيطريين، واتحاد المزارعين، وغيرها من المؤسسات ذات العلاقة، من أجل الشروع في تنفيذ خطة مدروسة ومتكاملة قادرة على النهوض بهذا القطاع وحل مشاكله ضمن القدرات المتوافرة والإمكانيات التي يمكن حشدها، بعيداً عن التهويش والتسييس، وبعيداً عن اطلاق الاتهامات، وبعيداً عن الحلول المتعسفة التي تنطوي على نوع من الاستغفال أو التجاهل المزري.
هذا المؤتمر سوف يبحث مشكلة المياه والسدود والحفائر، وكيفية البحث عن مصادر مياه جديده، ومشكلة اختيار المزروعات التي تسهم في توفير المياه، وفي ترشيد الزراعة بطريقة منظمة لاختيار الأصناف الزراعية، ومشكلة التسويق وتوفير الأسواق الخارجية والمحلية بطريقة سليمة، ومشكلة الجودة وتحسين المنتوج الزراعي القادر على المنافسة، بالإضافة إلى مشاكل الأدوية والأسمدة والبذور والأعلاف ومشاكل التصنيع الغذائي والعبوات، وتخفيض الكلفة على المزارع الغلبان.
الدستور
هذه المقارنة بين أسعار الأرض في العاصمة لأغراض البناء والسكن، وبين أسعارها في الأرض المروّيه المنتجة، تختصر مشكلة الزراعة والمزارعين المعتصمين بدابوق، لعلهم يُسمعون صوتهم لبعض أصحاب القرار، وتختصر لنا جميعاً المشهد الزراعي برمته، وتختصر فلسفة الزراعة في الأردن واستراتيجيتها المستقبلية المرعبة.
يبدو أن المسألة متعلقة فعلاً ببعد غير معلن في التخطيط الحكومي بعيد المدى منذ سنوات طويلة ينطوي على مقولة أن الأردن من أفقر خمس دول في المياه، والزراعة تحتاج إلى مياه، ولذلك لا تشكل الزراعة مورداً اقتصادياً معقولاً على مستوى الانتاج القومي، ولا يجوز الاعتماد عليها في هذا المجال، مما جعل نسبة اسهام القطاع الزراعي في الانتاج القومي في تدنٍ مستمر، وتراجع مذهل، حيث تقول بعض الأرقام إن صحت انها لا تكاد تصل إلى 2% من مجمل الانتاج، ولذلك يذهب أصحاب هذا الرأي إلى تبني اقتراحات أخرى مثل السياحة، واقتصاد الخدمات، وتشجيع الصناعات الالكترونية وغير ذلك من أمور.
إن صحت هذه الرواية، فهذا يبشر بأن خيمة المزارعين في دابوق سوف تستمر طويلاً، خاصة في ظل صمت الحكومة، وعدم تحركها الفعلي نحو الحوار مع المزارعين، ولا التوجه نحو إيجاد حلول لمشاكلهم المزمنة، التي يشعر المزارعون إزاءها بالإحباط والمرارة،ولا يلوح في الأفق أي بارقة أمل تدعوهم إلى الطمأنينة.
أوضاع الزراعة والمزارعين أصبحت حرجة للغاية، وتحتاج إلى جدية حقيقية وعالية المستوى تدعو إلى ضرورة التحرك الفوري نحو إنقاذ هذا القطاع الذي يؤثر في مصير شريحة واسعة وكبيرة من الشعب الأردني ممن ربطوا مصيرهم بالأرض، ومن الذين توارثوا حب الأرض عبر سلسلة بشرية تعود إلى أعماق الزمن ولا يرون أنفسهم خارج هذا السياق.
بقية مقال د. رحيّل الغرايبة
المنشور علي الصفحة الاخيرة
المطلوب من الحكومة أولاً امتلاك الجدية المطلوبة في البحث عن الحل وبعد ذلك عقد جولات من الحوار مع أصحاب العلاقة والاطلاع الكامل على حيثيات المشكلة، ومن ثم لا بد من عقد مؤتمر كبير متخصص في هذه المسألة على وجه التحديد يشارك فيه أطراف حكومية من أهل الاختصاص، وممثلوا القطاع الزراعي، وعن نقابة المهندسين الزراعيين، ونقابة البيطريين، واتحاد المزارعين، وغيرها من المؤسسات ذات العلاقة، من أجل الشروع في تنفيذ خطة مدروسة ومتكاملة قادرة على النهوض بهذا القطاع وحل مشاكله ضمن القدرات المتوافرة والإمكانيات التي يمكن حشدها، بعيداً عن التهويش والتسييس، وبعيداً عن اطلاق الاتهامات، وبعيداً عن الحلول المتعسفة التي تنطوي على نوع من الاستغفال أو التجاهل المزري.
هذا المؤتمر سوف يبحث مشكلة المياه والسدود والحفائر، وكيفية البحث عن مصادر مياه جديده، ومشكلة اختيار المزروعات التي تسهم في توفير المياه، وفي ترشيد الزراعة بطريقة منظمة لاختيار الأصناف الزراعية، ومشكلة التسويق وتوفير الأسواق الخارجية والمحلية بطريقة سليمة، ومشكلة الجودة وتحسين المنتوج الزراعي القادر على المنافسة، بالإضافة إلى مشاكل الأدوية والأسمدة والبذور والأعلاف ومشاكل التصنيع الغذائي والعبوات، وتخفيض الكلفة على المزارع الغلبان.
الدستور