إمارة "إسلامية" بجوارنا!
جمانة غنيمات
جو 24 : في العام 2003، كان سقوط بغداد مشهدا موجعا؛ فعاصمة الرشيد هوت، بعد أن ألقى جيشها السلاح على حين غرة، وفرّ من وجه جحافل الغزو الأميركي.
اليوم، يتكرر المشهد؛ الجيش العراقي يرمي السلاح ويخلع الزي العسكري ويفرّ من جديد، لكن هذه المرة أمام عدو مختلف. ومع تباين المعطيات والأسباب بين الماضي والحاضر، تظل النتيجة واحدة، وتتمثل في مدن عراقية بلا جيش، فيما القوى المسيطرة في كل مرة أسوأ من سابقاتها.
أميركا أخطأت كثيرا. في البدء، تركت البلاد أسيرة للفوضى والاقتتال، وتعاملت مع الملف العراقي بسطحية، وسعت إلى تطبيق ديمقراطية كاذبة. ثم جاءت بعدها حكومة نوري المالكي التي أخفقت كثيراً في إعادة توحيد العراقيين تحت راية وطنهم، لاسيما أنها مارست "رقصة" الديمقراطية وحيدة بلا شركاء حقيقيين، وأقصت بشكل جذري المكوّن السني.
ما يحدث اليوم لا ينفصل عن مسار العقد الماضي، فالنتيجة متصلة. إذ توسعت رقعة الفكر المتطرف في العراق بسبب حاضنات المجتمع المهمش التي أخذت على عاتقها الانتقام والثأر من حكومة اصطبغت بلون طائفي أحادي. وبالتالي، فإن العداء لحكومة المالكي كان هو المحرك الأساس لكل ذلك، وليس لأن الشعب العراقي أو الشخصية العراقية متطرفان بطبعهما.
ما حدث في العراق يلزم أن يكون درسا لكل الدول. فالديمقراطية الصورية البعيدة عن تكريس العدالة، لا تجلب إلا نتائج كارثية، وها هو العراق أنموذج فشل ماثل أمامنا لمثل هذه النظريات؛ وبدلا من دولة مدنية، ربما نجد أنفسنا أمام إمارة "إسلامية".
وضع الأردن ليس هيّنا وسط الإقليم المتلاطمة أزماته، وهو في موقف لا يحسد عليه. فبوابته الشرقية عرضة لأن تفتح على مصراعيها لاستقبال موجة لجوء جديدة في حال استمر توسع سيطرة تنظيم "داعش" في محافظة الأنبار، وصولا إلى إسقاط بغداد مرة أخرى، بعد ما يزيد قليلاً على عقد من سقوطها سابقاً.
وقوة "داعش" المتمدد مقلقة. والمنجزات التي حققها على أرض الواقع، وفي ظل عجز الجيش العراقي وطلبه العون من الحليف الأميركي لقصف المناطق التي سيطر عليها التنظيم، وهو الأمر الذي رفضه الحليف ضمنيا، كل ذلك يجعل المخاوف من تمدد سيطرة المتطرفين ماثلة، ويفيد أن سيناريو اللجوء وارد مستقبلا.
والبوابة الشمالية للمملكة بدأت المعاناة مبكرا لناحية اللجوء، وتواجد الجماعات المتطرفة أيضا؛ ما يزيد المخاوف المحلية ويرفع من حالة الاستنفار، على الأقل شعبيا.
رسميا، تفيد المعلومات أن الجهات المعنية تتابع عن كثب ما يحدث من دون مبالغة في رد الفعل. وهنا تتفاوت التقديرات حول مدى تطور الوضع شرقا؛ إذ يرى فريق أن الحال لن تصل مستوى ما حدث في الموصل وتكريت، فيما يحذر فريق آخر من قوة غير معلنة عن إمكاناتها بعد، يلزم التحضير للتعامل معها.
الوضع صعب، ونتائج التعامل الدولي مع الإقليم كارثية؛ فما العمل؟ كيف يتعامل الأردن مع الواقع الجديد لجيرانه؟
الضرر الاقتصادي واقع لا محالة؛ فجميع الآفاق الاقتصادية مرتبطة بحكومة المالكي، لاسيما ما يتعلق بمشاريع استراتيجية، منها مشروع خط النفط العراقي-الأردني الذي يعوّل عليه الأردن للتخفيف من مشاكله المالية، وضمنها عبء فاتورة الطاقة.
ويمكن أن تتعقد الحالة أكثر بإعاقة انسياب تصدير السلع، وتراجع التبادل التجاري. ولا يغيب أيضاً وضع حاجز جديد أمام الشركات الأردنية ورجال الأعمال الراغبين في العمل في العراق.
أما التحدي الأكبر الذي صار يطل علينا من كل صوب وتدركه الدولة جيدا، بكل مؤسساتها، فهو الجماعات المتطرفة التي ستجد في الأردن موطنا جديدا لنشر أفكارها المسمومة. والشواهد على بدء ذلك موجودة؛ فاليوم لدينا "داعش" و"النصرة" و"القاعدة" وغيرها.
التطرف بكل أشكاله نتيجة طبيعية لغياب العدالة والشعور بالتهميش. والانقسام العمودي لأي مجتمع وارد في ظل البيئة الحاضنة التي تنمي الشعور بالقهر وتغيّب المنطق والعقل، وتجعل المجتمعات ضحية لتلك السياسات.
من جديد، مواجهة التحديات ممكنة بالقضاء على أشكال التمييز، والتخفيف من السياسات التي تعمق الشعور بالظلم والقهر. والحل بأيديكم: إما "داعش" بنسخة أردنية، أو مجتمع مدني متجانس ومتفاهم بلا أحقاد.
الغد
اليوم، يتكرر المشهد؛ الجيش العراقي يرمي السلاح ويخلع الزي العسكري ويفرّ من جديد، لكن هذه المرة أمام عدو مختلف. ومع تباين المعطيات والأسباب بين الماضي والحاضر، تظل النتيجة واحدة، وتتمثل في مدن عراقية بلا جيش، فيما القوى المسيطرة في كل مرة أسوأ من سابقاتها.
أميركا أخطأت كثيرا. في البدء، تركت البلاد أسيرة للفوضى والاقتتال، وتعاملت مع الملف العراقي بسطحية، وسعت إلى تطبيق ديمقراطية كاذبة. ثم جاءت بعدها حكومة نوري المالكي التي أخفقت كثيراً في إعادة توحيد العراقيين تحت راية وطنهم، لاسيما أنها مارست "رقصة" الديمقراطية وحيدة بلا شركاء حقيقيين، وأقصت بشكل جذري المكوّن السني.
ما يحدث اليوم لا ينفصل عن مسار العقد الماضي، فالنتيجة متصلة. إذ توسعت رقعة الفكر المتطرف في العراق بسبب حاضنات المجتمع المهمش التي أخذت على عاتقها الانتقام والثأر من حكومة اصطبغت بلون طائفي أحادي. وبالتالي، فإن العداء لحكومة المالكي كان هو المحرك الأساس لكل ذلك، وليس لأن الشعب العراقي أو الشخصية العراقية متطرفان بطبعهما.
ما حدث في العراق يلزم أن يكون درسا لكل الدول. فالديمقراطية الصورية البعيدة عن تكريس العدالة، لا تجلب إلا نتائج كارثية، وها هو العراق أنموذج فشل ماثل أمامنا لمثل هذه النظريات؛ وبدلا من دولة مدنية، ربما نجد أنفسنا أمام إمارة "إسلامية".
وضع الأردن ليس هيّنا وسط الإقليم المتلاطمة أزماته، وهو في موقف لا يحسد عليه. فبوابته الشرقية عرضة لأن تفتح على مصراعيها لاستقبال موجة لجوء جديدة في حال استمر توسع سيطرة تنظيم "داعش" في محافظة الأنبار، وصولا إلى إسقاط بغداد مرة أخرى، بعد ما يزيد قليلاً على عقد من سقوطها سابقاً.
وقوة "داعش" المتمدد مقلقة. والمنجزات التي حققها على أرض الواقع، وفي ظل عجز الجيش العراقي وطلبه العون من الحليف الأميركي لقصف المناطق التي سيطر عليها التنظيم، وهو الأمر الذي رفضه الحليف ضمنيا، كل ذلك يجعل المخاوف من تمدد سيطرة المتطرفين ماثلة، ويفيد أن سيناريو اللجوء وارد مستقبلا.
والبوابة الشمالية للمملكة بدأت المعاناة مبكرا لناحية اللجوء، وتواجد الجماعات المتطرفة أيضا؛ ما يزيد المخاوف المحلية ويرفع من حالة الاستنفار، على الأقل شعبيا.
رسميا، تفيد المعلومات أن الجهات المعنية تتابع عن كثب ما يحدث من دون مبالغة في رد الفعل. وهنا تتفاوت التقديرات حول مدى تطور الوضع شرقا؛ إذ يرى فريق أن الحال لن تصل مستوى ما حدث في الموصل وتكريت، فيما يحذر فريق آخر من قوة غير معلنة عن إمكاناتها بعد، يلزم التحضير للتعامل معها.
الوضع صعب، ونتائج التعامل الدولي مع الإقليم كارثية؛ فما العمل؟ كيف يتعامل الأردن مع الواقع الجديد لجيرانه؟
الضرر الاقتصادي واقع لا محالة؛ فجميع الآفاق الاقتصادية مرتبطة بحكومة المالكي، لاسيما ما يتعلق بمشاريع استراتيجية، منها مشروع خط النفط العراقي-الأردني الذي يعوّل عليه الأردن للتخفيف من مشاكله المالية، وضمنها عبء فاتورة الطاقة.
ويمكن أن تتعقد الحالة أكثر بإعاقة انسياب تصدير السلع، وتراجع التبادل التجاري. ولا يغيب أيضاً وضع حاجز جديد أمام الشركات الأردنية ورجال الأعمال الراغبين في العمل في العراق.
أما التحدي الأكبر الذي صار يطل علينا من كل صوب وتدركه الدولة جيدا، بكل مؤسساتها، فهو الجماعات المتطرفة التي ستجد في الأردن موطنا جديدا لنشر أفكارها المسمومة. والشواهد على بدء ذلك موجودة؛ فاليوم لدينا "داعش" و"النصرة" و"القاعدة" وغيرها.
التطرف بكل أشكاله نتيجة طبيعية لغياب العدالة والشعور بالتهميش. والانقسام العمودي لأي مجتمع وارد في ظل البيئة الحاضنة التي تنمي الشعور بالقهر وتغيّب المنطق والعقل، وتجعل المجتمعات ضحية لتلك السياسات.
من جديد، مواجهة التحديات ممكنة بالقضاء على أشكال التمييز، والتخفيف من السياسات التي تعمق الشعور بالظلم والقهر. والحل بأيديكم: إما "داعش" بنسخة أردنية، أو مجتمع مدني متجانس ومتفاهم بلا أحقاد.
الغد