jo24_banner
jo24_banner

عودة إلى عالم الثقافة والفن

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : الثقافة والفن تحتلان مكانة مهمة وفي غاية الخطورة في حياة الأمم والشعوب، لأنها ذات صلة وطيدة ببنائها المعنوي الذي يمثل الجوهر الحقيقي للبقاء والاستمرار في الحياة، وتعبر عن معالم الشخصية للأمة وهويتها الحضارية، وما الفن إلا اللسان الناطق والمعبر عن مكنون الأمة الداخلي ونواتها الفكرية الصلبة وقيمها النبيلة ومثلها العليا.

ولكن عندما تطبع هوية الأمة وتطمس معالم شخصيتها، ويتم تفكيك بنيتها الثقافية، وفرط عقد منظومة القيم لديها، وتصبح دفة التوجيه الثقافي للأجيال بأيدي من لا يقدرون ثقافة الأمة ولا صلة لهم بعالم القيم ولا يملكون الانتماء العميق لمشروعها الحضاري، ولا يفهمون فلسفته وأسراره، ولا يملكون الحرص على معالم شخصيتها المميزة، فعند ذلك سوف تكون بوصلة الثقافة والفن حائرة وضائعة، لا تتجه نحو هدف ذاتي أصيل، ولا تنتمي للإطار الفكري والثقافي للأمة، ولا تنتسب لأشواق الشعوب ولا تعبر عنها في تحقيق ذاتها وحمايتها من الذوبان، لأن ضياع الثقافة يمثل ضياع الأمة وفنائها، وعند ذلك يصبح الحوار في هذا المجال عبارة عن "حوار طرشان".

لا تستطيع الأمم القوية الاستمرار بالبقاء إلا من خلال بنيانها الثقافي القيمي، لأنه يمثل القوة الحقيقية لها، وأما القوة المادية فهي مؤقتة وذات أثر وقتي ملحوظ، وليس له ثمرة دائمة ولا إنتاج مستمر، إلا عندما تدعمها ركائز فكرية ودعائم ثقافية وقيم حضارية، ولذلك نجدها تعمد إلى العناية بالفن من أجل أن يكون أداة في نشر ثقافتها وقيمها بين الشعوب والأمم الأخرى تمهيداً للاختراق الثقافي والهيمنة الحضارية الشاملة قبل الهيمنة المادية والعسكرية، وأصبح الفن من أقوى الأسلحة تأثيراً في عالم المواجهة بين القوى المتصارعة.

ومن هذا المنطلق نرجو أن يكون الحوار في مجال الفن والثقافة منطلقا من هذه الأرضية الصلبة التي تمثل المرجعية القيمية للأمة وفلسفتها في الحياة، حتى يكون الفن مستهدفا ومرتبطا ارتباطا وثيقا بهوية الأمة الحضارية وطريقتها بالتعامل مع عناصر الوجود، بعيدا عن التقليد الأعمى ومنهجية استيراد القيم وخدمة قوى الهيمنة الكبرى التي تحاول بسط ثقافتها على الأمم الضعيفة، من أجل شل قدرتها على الصمود والمواجهة.

وينبغي أن نعلم جيدا أنه يكثر العملاء والمستأجرون والمرتزقة في عالم الفن والثقافة أكثر مما يكثرون في عالم السياسة والعسكر، وهؤلاء دورهم أشد على الأمة وأعظم خطورة على الأوطان والأجيال.

وعلى هذا الأساس نريد للفن أن يزدهر وينمو ويبدع ويتميز بما يخدم قوة الأمة ووحدتها، ويحرس حصونها من الداخل وينمي معاني الانتماء العميق والمتجذر لدى الأجيال القادمة حتى تكون قادرة على صنع استقلالها وقوتها وبناء حضارتها وصيانة تراثها وهويتها وقادرة أيضا على خوض المواجهة الناجحة في هذا العالم الذي يقوده الأقوياء ثقافة وفنا وإبداعا وحضارة مادية ومعنوية ( العرب اليوم )
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير