الشباب: اغتراب خطير
جمانة غنيمات
جو 24 : "ثلث الشباب الأردني يرغب في الهجرة"؛ نتيجة توصل إليها مسح علمي أجراه فريق الأمم المتحدة في الأردن، وتؤكد انطباعا ساد خلال السنوات الماضية، مضمونه أن كل أردني بات مشروع مهاجر.
نسبة الراغبين في الهجرة بارتفاع، وتعكس في عمقها شعورا بالاغتراب في الوطن الذي لم يعد قادرا على إشباع طموحات فئة الشباب بمستقبل لائق، ولا أقول مشرقا.
البطالة هي الداء؛ فمحدودية فرص العمل هي عامل الحسم في قرار البقاء من عدمه. والفكرة نمت حتى أصبحت حلما في ظل تضاؤل فرص تأسيس حياة مهنية للشباب الذي لا يطمح إلى غير ذلك.
وهنا، فإن التخبط في إدارة الاقتصاد يشكل الأساس. فالدولة التي انقلبت على نهج القطاع العام، وتزعم أنها "طلقته بالثلاث"، لم توفر بديلا متينا يتمثل في قطاع خاص قادر على تحمل العبء واستيعاب احتياجات المجتمع الشاب من وظائف ومهن.
بالنتيجة، بات لدينا خليط مشوه: قطاع عام متضخم بالبطالة المقنعة، ونفقاته تتخطى كل المعايير؛ يصاحبه قطاع خاص ظل يتخبط في تحديد مساره، ما جعله ضعيفا هشا غير قادر على أداء دوره المأمول.
بالمحصلة، المجتمع هو من يدفع كلف التخبط وسوء التخطيط، بعد أن أثبتت النتائج فشل النهج الرسمي في تغيير طريقة تفكير المجتمع؛ بجعله مؤمنا بالقطاع الخاص، ومتكئا عليه في الحصول على الوظيفة، بدلا من القطاع العام.
لماذا الفشل؟ ولماذا ما تزال عقلية الأردني تنحاز في اللاوعي إلى القطاع الحكومي، وتفضله على "الخاص"؟ ربما لأن ما حققه القطاع العام من نفع للناس في "أيام عزه"؛ من توفير عيش كريم، لم يقدر عليه القطاع الخاص المحمل بالكلف المرتفعة والسعي إلى ربح كبير، كون هذا القطاع لم يقم بالأساس على تخطيط عميق يحدد هيكليته المطلوبة، فيكون قادرا بالتالي على الصمود في وجه التحديات والارتقاء إلى مستوى التوقعات الضرورية.
صار كل شاب يحلم بالهجرة، أملا في تحقيق طموحه، ربما لأن البيئة المحلية طاردة؛ غير مشجعة على الابتكار. وعمق ذلك التغيرات الحادة التي ألمت بالتركيب القيمي للمجتمع. فالعنف في ازدياد، حتى صار القتل ظاهرة شبهيومية؛ والخروج على القانون بلا حدود، إذ صار التنمر عنوانا للأردني. وهذا وغيره ما يجعل المرء راغبا في المغادرة، بحثا عن مكان أكثر تصالحا.
الهجرة خسارة كبيرة للاقتصاد والبلد ككل، إذ يفقدان بها الكفاءات القادرة على إحداث فرق في الحاضر كما في المستقبل، من حقيقة أن الاستقطاب لا يكون إلا للكفاءات التي تم الاستثمار فيها، فتسعى دول أخرى إلى جذبها للاستفادة من قيمتها المضافة في البناء والتنمية.
يخسر الأردن أبناءه الواحد تلو الآخر، خصوصا وأن العمالة التي تغادرنا، في العادة، هي أفضل ما لدينا؛ فيما تبقى العمالة غير المؤهلة التي لا تقدر على تحصيل وظيفة في الخارج، حملا ثقيلا على البلد، بكلف سياسية واقتصادية واجتماعية.
الشعور بالاغتراب خطير؛ فهو قاتل للانتماء، ولاعب أساسي في خلق جيل شاب غاضب يعاني فراغا فكريا وثقافيا، يسعى إلى ملئه بأي بديل. والبديل اليوم واضح، وهو التطرف أيا كان شكله؛ دينيا أو خلقيا أو سواهما، ويجد ترجمته في تصاعد معدلات الجريمة بصنوفها كافة. فيما يتعزز ذلك باتساع الطبقية في المجتمع، وسوء توزيع مكتسبات التنمية، وتراجع الطبقة الوسطى بنسبة 12 % باعتراف الحكومة ذاتها خلال نصف عقد.
الغد
نسبة الراغبين في الهجرة بارتفاع، وتعكس في عمقها شعورا بالاغتراب في الوطن الذي لم يعد قادرا على إشباع طموحات فئة الشباب بمستقبل لائق، ولا أقول مشرقا.
البطالة هي الداء؛ فمحدودية فرص العمل هي عامل الحسم في قرار البقاء من عدمه. والفكرة نمت حتى أصبحت حلما في ظل تضاؤل فرص تأسيس حياة مهنية للشباب الذي لا يطمح إلى غير ذلك.
وهنا، فإن التخبط في إدارة الاقتصاد يشكل الأساس. فالدولة التي انقلبت على نهج القطاع العام، وتزعم أنها "طلقته بالثلاث"، لم توفر بديلا متينا يتمثل في قطاع خاص قادر على تحمل العبء واستيعاب احتياجات المجتمع الشاب من وظائف ومهن.
بالنتيجة، بات لدينا خليط مشوه: قطاع عام متضخم بالبطالة المقنعة، ونفقاته تتخطى كل المعايير؛ يصاحبه قطاع خاص ظل يتخبط في تحديد مساره، ما جعله ضعيفا هشا غير قادر على أداء دوره المأمول.
بالمحصلة، المجتمع هو من يدفع كلف التخبط وسوء التخطيط، بعد أن أثبتت النتائج فشل النهج الرسمي في تغيير طريقة تفكير المجتمع؛ بجعله مؤمنا بالقطاع الخاص، ومتكئا عليه في الحصول على الوظيفة، بدلا من القطاع العام.
لماذا الفشل؟ ولماذا ما تزال عقلية الأردني تنحاز في اللاوعي إلى القطاع الحكومي، وتفضله على "الخاص"؟ ربما لأن ما حققه القطاع العام من نفع للناس في "أيام عزه"؛ من توفير عيش كريم، لم يقدر عليه القطاع الخاص المحمل بالكلف المرتفعة والسعي إلى ربح كبير، كون هذا القطاع لم يقم بالأساس على تخطيط عميق يحدد هيكليته المطلوبة، فيكون قادرا بالتالي على الصمود في وجه التحديات والارتقاء إلى مستوى التوقعات الضرورية.
صار كل شاب يحلم بالهجرة، أملا في تحقيق طموحه، ربما لأن البيئة المحلية طاردة؛ غير مشجعة على الابتكار. وعمق ذلك التغيرات الحادة التي ألمت بالتركيب القيمي للمجتمع. فالعنف في ازدياد، حتى صار القتل ظاهرة شبهيومية؛ والخروج على القانون بلا حدود، إذ صار التنمر عنوانا للأردني. وهذا وغيره ما يجعل المرء راغبا في المغادرة، بحثا عن مكان أكثر تصالحا.
الهجرة خسارة كبيرة للاقتصاد والبلد ككل، إذ يفقدان بها الكفاءات القادرة على إحداث فرق في الحاضر كما في المستقبل، من حقيقة أن الاستقطاب لا يكون إلا للكفاءات التي تم الاستثمار فيها، فتسعى دول أخرى إلى جذبها للاستفادة من قيمتها المضافة في البناء والتنمية.
يخسر الأردن أبناءه الواحد تلو الآخر، خصوصا وأن العمالة التي تغادرنا، في العادة، هي أفضل ما لدينا؛ فيما تبقى العمالة غير المؤهلة التي لا تقدر على تحصيل وظيفة في الخارج، حملا ثقيلا على البلد، بكلف سياسية واقتصادية واجتماعية.
الشعور بالاغتراب خطير؛ فهو قاتل للانتماء، ولاعب أساسي في خلق جيل شاب غاضب يعاني فراغا فكريا وثقافيا، يسعى إلى ملئه بأي بديل. والبديل اليوم واضح، وهو التطرف أيا كان شكله؛ دينيا أو خلقيا أو سواهما، ويجد ترجمته في تصاعد معدلات الجريمة بصنوفها كافة. فيما يتعزز ذلك باتساع الطبقية في المجتمع، وسوء توزيع مكتسبات التنمية، وتراجع الطبقة الوسطى بنسبة 12 % باعتراف الحكومة ذاتها خلال نصف عقد.
الغد