jo24_banner
jo24_banner

الأهماج .. !

د.امديرس القادري
جو 24 :

في كتاب المنجد للغة والأعلام ، وعند مطالعة معاني وتصريفات كلمة هَمج سيجد الباحث العجب العجاب ، وسيلقى ما يبكي وما يضحك في ذات الوقت ، فالهَمج هم أرذل الناس الذين لا خير فيهم ، والأهَماج هم الحمقى ، أما الصفة الناتجة عن الجمع بين معنى الكلمتين فمن الطبيعي جدا أن تنطبق على الفعل الذي أقدم على ارتكابه أشاوس الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة رام الله ، وبالتحديد وزارة الداخلية فيها لكونها هي الجهة المسؤولة عنهم وعن واجباتهم ودورهم والمسلكية التي يجب أن يتحلى بها كبار القادة و الضباط والعناصر المنتسبين لهذه الأجهزة .


ولأن الصورة قد تكون أحيانا أبلغ بكثير من الكلام ، فإن الصور المحزنة و المؤلمة والمخزية التي نشرتها هذا الأسبوع مختلف وسائل الإعلام عن الإعتداء و الصدامات بين هؤلاء الأشاوس وبعض الشباب الأعزل الذين أرادوا التعبير سلميا عن رفضهم وإحتجاجهم لعقد اللقاء الذي كان من المقرر عقده بين الرئيس عباس ، والمجرم شاؤل موفاز نائب رئيس الوزراء " الإسرائيلي " نتنياهو ، هذه الصور حملت الكثير من الدلالات والعبر لكل من يبحث عن الإستدلال والعبرة .
وزير الداخلية في هذه السلطة الدكتور سعيد أبو علي اعتبر أن ما حصل هو مجرد عراك بالأيدي بين أفراد الشرطة والمتظاهرين ، وقد أدى ذلك إلى وقوع عدد من الإصابات في صفوف الطرفين ، وأفاد معاليه أنه أوعز إلى الجهات المختصة في وزارته و بموجب تعليمات صادرة عن الرئيس عباس بضرورة تشكيل لجنة تحقيق خاصة للوقوف على حقيقة ما جرى من أحداث في رام الله يومي السبت والأحد .


معالي أبو علي أكد أيضا في البيان الصحافي الذي صدر عن وزارته بأنه وعلى أساس إستخلاصات اللجنة فسوف يتم إتخاذ كافة الإجراءات الداخلية والقانونية اللازمة في نطاق التزام السلطة الوطنية الفلسطينية الدائم بالقانون وما ينص عليه من ضمانات خاصة بحرية التعبير وحق التجمهر في إطار القانون والنظام العام ، فسيادة القانون ضرورية لضمان عدم تكرار ما حدث ، وحتى تظل الوحدة قائمة ومتينة بين الشعب والسلطة وبكافة مؤسساتها لمواجهة كافة المخاطر والتحديات ، و بذلك يظهر الوزير منسجماً تماماً مع تصريحات أبو مازن الرئيس التي أكد فيها على أنه لن يسمح بإنتهاك حرية الكلمة ، و حق التجمع و التظاهر، الرئيس طبعاً اضطر أن يخرج بهذه التصريحات لتهدئة الرأى العام و الشارع المحتقن .


كم عدد العصي التي رفعتها هذه الأجهزة في وجه قلة قليلة من أبناء شعبنا ؟ ومن أين جاءت هذه الوحشية التي دفعت بمدير شرطة رام الله و ضباط وعناصر هذه الشرطة لكي ينهالوا ضربا وتنكيلا بأجساد هؤلاء الشباب ؟ وهل اطلع معالي وزير الداخلية على الصور التي التقطتها أجهزة الإعلام التي ناب بعض أفرادها من صحفيين و مصورين نصيب من هذا الضرب المبرح ؟ وهل حاول الوزير أبو علي زيارة من جرى إعتقالهم ليطلع على أحوالهم ؟ وليشاهد بأم عينه الآثار التي تركتها هراوات الأهماج على الرؤوس و الظهور والأطراف ، وهل فكر بالمشاركة في تضميد الجراح التي سالت منها الدماء عند البعض جراء هذه التصرفات الهمجية التي أقدم عليها بعض المنتسبين لوزارته؟!


الأسئلة كثيرة ، والإجابات لا نريد أن نسمعها من لسان هذا الوزير الذي كان عليه أن يعتذر أولاً ، و أن يسارع إلى تقديم إستقالته ثانياً ، فالصور تتحدث عن نفسها ، وما أصاب أحمد زيادة ، وخالد زواهرة ، وكفاح وعنان قزمار ، وحافظ عمر ، وحسن فرج من ضرب بشع يحمل الدليل والبرهان ، وما طال الصحافي أحمد مصلح ومحمود حريبات ومحمد جرادات الذي كاد أن يفقد إحدى عيناه هو أيضا دليل صارخ على هذه الهمجية ، وما لحق بالمصورين أحمد عودة وعصام الريماوي من تكسير لعظامهم وكاميراتهم لا يحتاج إلى تبرير ، وأخيرا مصور وكالة رويترز سائد هواري الذي رصد بعدسته العديد من لقطات هذه الأفعال الوحشية واللاإنسانية التي سارعت إلى بثها وكالات الأنباء ، و التي ملأت أيضا صفحات التواصل الإجتماعي الإلكترونية .


و أخيراً ، يقال أن عدد الذين تظاهروا في شوارع رام الله لا يزيد عن المئتين شاب و فتاة ، فكيف لو كانوا ألفان ؟ و كيف كانت ستبدو عليه الأمور لو كانت رايات الفصائل الوطنية و بعض قياداتها و كوادرها من التي أعلنت عن رفضها و شجبها و إدانتها للقاء بين عباس و المجرم موفاز تحيط و تشارك و تحمي هذا الفعل الوطني الذي لا شك في أن كل شوارع الضفة كانت تتمنى المشاركة فيه ، و ما هو الثقل و الوزن الذي كان سيجلل هذه الفعالية لو كانت تنفذ بإسم الوحدة الوطنية الشاملة ؟.


حين يقوم زعران دايتون ممن يسمون أنفسهم بقوات الأمن و مكافحة الشغب التابعة للسلطة بهذا الفعل الجبان و المدان ، فعلى الجميع أن يعلم بأنها البداية الفعلية و المؤشر الأخطر للإفلاس السياسي و الوطني عند أركان هذه السلطة المصرة على المضى قدماً على طريق تكريس أركان الدولة الوليسية ، إنها بدايات الخلاص الوطني منهم و من عبثية مفوضاتهم و سلامهم الفارغ و الكاذب ، حقاً لقد كانت بروفة صادقة للصورة التي يجب أن تكون مرسومة في أذهان الجميع ، فقد أظهر كل من الطرفان الضارب و المضروب بضاعته ، و لانرجو إلا المزيد من هذا الإحتقان الوطني و في كل شوارع محافظات الوطن .

د. امديرس القادري

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير