jo24_banner
jo24_banner

محطة غزة ومستقبل المنطقة

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : حرب غزة هذه المرة جولة مختلفة ليست مثل الجولات السابقة، بل تعد محطة مهمة وخطرة في تاريخ المنطقة، وهي إحدى المحطات الفاصلة التي تحدد ملامح المرحلة القادمة وترسم مستقبلها، ولن يقتصر الأمر على الشهداء والضحايا، ومسائل الإعمار وما شابه.
حرب غزة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما جرى ويجري في مصر وسيناء على وجه التحديد، وما يجري كذلك في ليبيا، وبقية أقطار العالم العربي، حيث أن أحداث الربيع العربي أحدثت صدمة مرعبة لكثير من الأطراف العربية والإقليمية والعالمية، ولكنها تجاوزت حالة الذهول لترسم مخططاً لرسم معالم الانقلاب الجذري على كل منجزات الشعوب العربية التي انتفضت على أنظمة الفساد والاستبداد ومخلفات حكم العسكر، وهي الآن بصدد إعادة الشعوب الثائرة الى القمقم، عبر مسارات عسكرية وسياسية وإعلامية واقتصادية، استناداً الى ضرورة بقاء الحالة العربية السابقة القادرة على حفظ مصالح الدول الكبرى المتمثلة بمستقبل الكيان الصهيوني، ومستقبل النفط العربي ومخزونه وضمان استمرار تدفقه الخارج بلا عوائق.
تم الحديث مرة سابقة عن أحداث غزة والاشارة الى أنها عبارة عن جزء من مخطط شامل، تشترك فيه أطراف كثيرة داخلية وخارجية، وما يجري في غزة هي حصة «اسرائيل» من هذا المخطط، وعلى الأطراف الأخرى، أن تقوم بدورها المرسوم، «فنتن ياهو» وعد الشعب «الاسرائيلي» بأنه سوف يشن حرباً على غزة من أجل اجتثاث عدو «اسرائيل» الأكثر خطورة في تاريخ الكيان المتمثل بالمقاومة، عن طريق هدم الانفاق وتجريد المقاومة من سلاحها، وشل قدرتها على تهديد أمن « اسرائيل» سواء من خلال الصواريخ أو أي شكل آخر من أشكال المقاومة، هذا بالنسبة للكيان الصهيوني أما بالنسبة للأطراف الأخرى فيعد ذلك خطوة مهمة على طريق تصفية الإسلام السياسي واضعافه، ومنع قدرته على بناء دولة أو كيان سياسي.
أقدمت «اسرائيل» على هذه الخطوة وهي مستعدة لتحمل تبعاتها المتوقعة المتمثلة بهذه الخسارة الثقيلة، ولكن حسب استراتيجيتهم تعد مهراً غالياً ضرورياً لتحقيق خطوة مهمة على صعيد تأمين مستقبل الكيان الأمني، بعد أن تمكنت من تأمين الحدود الشمالية رغم الخسارة الكبيرة التي منيت بها في حرب تموز عام (2006)، ولكنها عبر ثماني سنوات لم تتلق تهديداً واحداً من تلك الحدود، وتم تصريف طاقة هذا «العدو» نحو سوريا وشعبها ونحو العمق العربي وتم اشغاله بمعارك أخرى تعود بالفائدة على الكيان الصهيوني بنتيجته النهائية.
ويمكن القول إن دولة الاحتلال استطاعت تأمين الجبهة المصرية تأميناً طويل الأمد من خلال معاهدات التسوية، ثم تخلصت من الخطر العراقي عبر تحطيم الدولة وحل الجيش العراقي ومصادرة كل أسلحته من خلال الحرب الأمريكية، مما يؤكد تلاشي الخطر العراقي على أمن» اسرائيل» تلاشياً طويل الأمد كذلك، ثم حظي الكيان بتجريد سوريا وجيشها من أسلحته الخطرة، ولم تبق إلّا عقبة المقاومة الفلسطينية التي تم تعطيل جزء منها عبر مصالحات التسوية ومعاهداتها مع المنظمة، مما يجعل الجهود متركزة على تجريد الفلسطينيين من بقايا المقاومة المحاصرة في غزة التي أصبحت هدفاً استراتيجياً مرسوماً، وكان الحصار هذه المرة شاملاً وليس مقتصراً على إغلاق المعابر وتدمير الانفاق مع سينا، بل تعدى ذلك ليصبح حصاراً محكماً، اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وعربياً في هذه المرّة، للتمهيد لهذه الخطوة الخطرة.
ولذلك يرجح أن مسألة خطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم، ما هي إلّا مكيدة»اسرائيلية» ماكرة، حيث أقدمت الحكومة الصهيونية على استغلال هذا الحدث والاستثمار فيه قبل التحقيق فيه وقبل الوصول الى أي نتيجة، وقبل اطلاق صاروخ واحد من أرض غزة، من أجل شن هذا العدوان المرتب مسبقاً، وتم تحمل الخسارة الثقيلة، وهاهو يستثمر بمقولة خطف الجندي الثاني من أجل الاستمرار في العدوان، ومن أجل تضليل الرأي العام العالمي ومن أجل مواصلة إيجاد فرصة لتحقيق الأهداف التي أعلنها (نتنياهو)، حيث أن فشله يعني المغامرة بمستقبله ومستقبل حكومته السياسي.
نحن أمام حدث بالغ الخطورة، ويمثل منعطفاً تاريخياً مهماً في المسار السياسي برمته، والمتعلق بمستقبل المقاومة، والمتعلق بمستقبل الاسلام السياسي في المنطقة، حيث استطاع الكيان الصهيوني أن يبني تحالفاً مع بعض الأطراف العربية لإعلان الحرب على الارهاب، وتحت هذا العنوان يجري وصم الحركة الإسلامية بالإرهاب للاتساق مع المخطط العام، الذي يتم توسيع نطاقه من خلال إفشال المسار السياسي في ليبيا، وهناك محاولات لنقل المعركة الى تونس، حيث كشفت بعض التقارير أن هناك جنودا مصريين يراد ادخالهم الى تونس تحت لافتة البحث عن العمل بدخولهم من خلال المعبر الليبي بالآلاف، بالإضافة الى إفشال المسار السياسي في كل من العراق وسوريا واليمن.
ما زالت المنطقة حبلى بالأحداث الكبيرة، ومازلنا عاجزين عن فهمها وفهم ابعادها، فضلاً عن القدرة على التعامل معها، واستيعاب آثارها ومواجهة مخاطرها، ومواجهة التغيرات الهائلة على الخريطة السياسية العربية بشكل واسع وشامل.

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير