من أين جاء بكل هذا الهدوء؟
صادمة صورة الفتى ليث القلالوة. وآثار الاعتداء الوحشي على جسده النحيل جلية؛ من حروق وكدمات وجروح.
من يرى الصور فقط ولم يسمع القصة وتفاصيلها من والد الفتى يظن أن ما لحق به من أذى واعتداء لا يمكن أن يحدث في الأردن، فالإصابة ليست عارضة أو ردة فعل.
والعلامات البادية تؤكد أن ما تعرض له الفتى تم عن سبق إصرار وترصد وعن قصد.
فرسم سوار على ذراع الفتى بحرقه بالسجائر، يؤكد أن الساديّ الذي قام بالفعل المشين أخذ كل الوقت الذي يحتاجه للتفنن في إيذائه، ويشي بأن شعور الانتقام كان مسيطرا عليه وهو يغرز سجائره المشتعلة في ذراعه.
أما الأسنان التي تحطمت نتيجة ضربة بقطعة سلاح، فإنما تدلل على الإفراط في استخدام العنف، كرد فعل غير مفهوم؛ إذ ما الذي يسمح لأي كان أن ينتهك حقوق الطفولة والإنسانية وكرامتها، حتى لو فعل الفتى ما فعل؟!
الحظ العاثر وضعه في وجه بعض رجال الدرك الذين ينفون أي علاقة لهم بالحادث، والذين تفننوا في الاعتداء على ليث، رغم أن ذنب الفتى الوحيد أنه خرج من بيته ليشتري خبزا وبطاقة هاتف خلوي.
في الفيديو المصور الذي أعدته الزميلة غادة الشيخ، يتحدث الوالد المكلوم بصوت رصين عميق، ولا أدري من أين جاء بكل هذا الهدوء أمام جسد ولده المتهالك جراء الاعتداء عليه، وتكلم بلغة غير منفعلة.
الوالد بث رسائل غاية في الرقي، تختلف كثيرا عن تلك التي وُجهت إلى فلذة كبده، وأكد أن الأردن بلد قانون، ولا يجوز التعامل مع ابنه بهذه الطريقة الهمجية التي كان الجاني نفسه فيها حاكما وجلادا، فأين ذهب القضاء والمحاكم، هذا إن كان الولد من الخطائين؟
الأب لقن من اعتدى على ولده درسا حينما أكد أن ليس لابنه علاقة بأحداث الشغب في السلط، ولا يمت للحراك بصلة، ويتساءل بأي ذنب يضرب ابنه ويشوه جسده، بلا قلب أو إحساس؟
ولا ضير من تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة من أقدم على هذا العمل الوحشي المشين، وليس بالضرورة أن تخرج بتقرير نهائي. ولربما يرصد المركز الوطني لحقوق الإنسان الحالة، لكن ذلك لن يغير من الحال شيئا.
وكما حدث في السابق، قد يصدر بيان صحفي يتهم الولد بأن أصدقاءه هم من أقدموا على هذا الفعل، وسط تشكيك بأخلاقياته ومسلكياته، ولا يستبعد أن ينشر أكثر من تعليق ومن مقال يبرر الاعتداء الذي يفتقد إلى كل الأخلاق الإنسانية وينتهك حقوق الإنسان وأكثر من ذلك آدميته.
بعد كل ما سبق، لا أظن أن من أقدم على هذا الفعل سيحاسب، ولن تجرى له محاكمة عادلة وسيخرج بدون عقاب، وستطوى صفحته كما طوي الكثير من الصفحات من قبل.
لا أدري ما شعور ليث، لكنه بالتأكيد مكسور من رجال أشبعوه ضربا وحشيا، بدون أدنى درجات الحس البشري، ليرقد الفتى على سرير المستشفى لأيام لا تعرف أسرته مكانه، ويستغرق والده أياما في البحث عنه ليعثر عليه أخيرا في مستشفى الأمير حمزة.
ليس من المقبول أن يُمس إنسان حتى لو كان ضمن الحراك أو المحتجين، أو حتى المخربين الذين نرفض مسلكهم، فما نزال ننظر ونقول إننا دولة مؤسسات وقانون، فأين تذهب مثل هذه النظريات البراقة في التعامل مع ليث الذي لم يتم بعد 17 سنة من عمره؟
أقسى ما رأيت رسم السوار على ذراع الفتى بغرز السجائر المشتعلة فيها، وللجميع أن يسألوا كيف سنخلق شعورا بالمواطنة لدى جيل الشباب الذين يرون أقرانهم يهانون ويعذبون والفاعل يفلت من أي حساب أو عقاب؟!