الرئيس المصري .. ثلاثة أيمان من قلب واحد !
لأول مرة في تاريخ مصر يضطر الرئيس لتأدية القسم ثلاثة مرات وفي أقل من أربعة وعشرين ساعة ، ففي عصر يوم الجمعة أدى الرئيس اليمين الأولى أمام الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير فيما اعتبر على أنه حلف لليمين أمام صناع الثورة وذلك من باب الإنتماء والوفاء لهم ولثورتهم التي أطاحت بنظام الظلم والإستبداد السابق ، أما الثانية فكانت صباح السبت أمام المحكمة الدستورية وعلى أرضية طاعة واحترام القانون ، والثالثة جاءت في قاعة الإحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة وبحضور الأغلبية العظمى من مؤسسات الدولة والأمة المصرية .
أخيرا ، جلس الدكتور محمد مرسي على كرسي رئاسة الجمهورية متسلحا بكل الشرعيات التي فرضتها وأوجدتها الظروف والأوضاع التي رافقت العملية الإنتخابية وبعد أن فاز بثقة الناخبين ، والصناديق التي وضعوا أصواتهم فيها ، وبذلك يكون الرئيس قد اجتاز بسلام كل متطلبات واستحقاقات لحظة التحول التاريخي في مصر والمنطقة العربية والتي كانت الملايين من داخل وخارج مصر تتطلع إليها وتنتظرها بفارغ الصبر وعلى أحر من الجمر .
خطابات الرئيس التي صدحت بها حنجرته يومي الجمعة والسبت حملت وبعثت الرسائل الضرورية وفي إتجاهات المكان الخمسة ، للشمال والجنوب ، وللشرق والغرب ، وفوق هذا ، للسماء وهي الأهم إنطلاقا من الحالة العقائدية التي يؤمن بها الرئيس مرسي والتي سيعتمد ويتوكل عليها وهو يستعد لمواجهة العديد من الملفات الصعبة والساخنة التي تنتظره على سطح مكتب الرئاسة .
وبذلك نستطيع الجزم على أن الأقوال انتهى مفعولها ودورها ، وما هو مطلوب من الآن فصاعدا رؤيتها وهي تتحول إلى أفعال تتحدث عن ذاتها وعن المكنون العملي الموجود بداخلها ، وعن الدولة المدنية والوطنية والدستورية الحديثة التي بشرتنا بها أقوال الرئيس ، وعن الحياة الجديدة ، والحرية التامة ، والديمقراطية ، الأسلحة الذاتية التي سيعتمد عليها الرئيس و هو يواجه معركة التنفيذ تتكون من الإيمان الموجود في القلب ، والأيدي البيضاء ، والجيوب النظيفة ، والنوايا الحسنة ، و هذا يعني في المجمل أننا أمام مشروع شهادة كما أشار السيد عبد الباري عطوان في إفتتاحية له نشرتها صحيفة القدس العربي ، والذي أضاف مستنتجا ، بأن من يطلب ذلك له كل الدعم والتأييد ، وهو لا بد سينجح في المهمة الصعبة .
شيخ كتاب المقال السياسي فهمي هويدي أكد هو الآخر على أن الرئيس مرسي يواجه عملية إستشهادية ولكن النجاة منها مشكوك فيها ، وبالتالي ، فالرئيس لن يحظى إلا بأجر الآخرة ، أما الدنيا ففيها وجهة نظر ، وبناء عليه ، فإن الرئيس مرسي وحسب إستنتاج الأستاذ هويدي بحاجة إلى المواساة والتعاطف أكثر من التهنئة ، فالمتربصين والمتصيدين إنتقدوه على إستخدام بعض الآيات في خطاباته وكأنهم يريدون منه الإستشهاد بأغاني ثامر حسني ونانسي عجرم !.
الأحد الموافق الأول من تموز / يوليو سينظر اليه و يؤرخ له على أنه اليوم الأول من رحلة الأربعة سنوات ، ومع بداية العد التنازلي للفترة الرئاسية فإن الأطراف كثيرة محلية وخارجية ستبدأ في عد أنفاس الرئيس ، وملاحقة كل فعل صغر أو كبر ، وبغض النظر عن الوضوح والغموض التي حملته خطابات الرئيس في اليومين الماضيين وعلى صعيد كل العناوين التي قام سيادته بالتركيز عليها .
على الصعيد المصري الداخلي هنالك أمور عاجلة جدا ولا تحتمل الإنتظار أو التأخير ، فالمؤسسة العسكرية لا بد من إعادة إخضاعها لسلطة الرئاسة حتى لا يبقى المشير طنطاوي رئيسا على الرئيس ، والمؤسسة الأمنية بحاجة إلى تطهير سريع من كل عناصر وأدوات البلطجة التي عاثت طويلا بأمن الوطن والمواطن ، والإقتصاد بحاجة إلى جرعات إنقاذ لكي تشعر الجماهير الفقيرة والكادحة والمنكوبة بترجمات فعلية وعملية للتغيير على صعيد حياتها ومعيشتها اليومية .
أما على الصعيد الخارجي فالعلاقة القائمة مع كيان العدو " إسرائيل " لا يمكن أن ينطبق عليها القول بأن مصر لا تعادي أحدا في هذا العالم ، وإتفاقية كامب ديفيد التي جلبت الذل والعار لمصر ولشعبها لا ينطبق عليها مبدأ الإعلان عن إحترام الإلتزامات الدولية ورعاية المعاهدات والإتفاقيات ، ومن يطلق الوعود بأن تكون مصر الجديدة حرة ومستقلة يجب أن يعلن وبكل وضوح عن إغلاق ملف التبعية والخنوع للولايات المتحدة وهذا يعني إعادة النظر في مجمل العلاقة الثنائية و إعادة ترتيبها و بما يدفع في هذا الإتجاه .
يبقى الوضع العربي والإسلامي هو الأساس ، وعودة مصر سالمة ومعافاة إلى الحضن الطبيعي هو الذي سيبشر بعودة النهوض لهذه الأمة وبما يساعدها في إستعادة كرامتها ومكانتها وهيبتها وقوتها في كل المحافل ، فالوقوف مع الشعب الفلسطيني ودعم المصالحة لا يكفيان ، فالمطلوب مصرياً على هذا الصعيد لا يحصى ولا يعد و بعيداً عن تصدير الثورة ، والقدس و حق العودة هي خير ما نذكر به سيادة الرئيس مرسي وهو يتحدث عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، هذه هي البوابة التي ستعيد لمصر دورها الإقليمي والدولي ، وهذا هو الذي سيحمي الأمن القومي العربي من أي إنتهاك و كما أكد سيادته .
عيون و قلوب الأمة العربية و الإسلامية ترنو و تتطلع نحو القصر الجمهوري و ساكنه الجديد ، أخذين بعين الإعتبار كل الألغام التي زرعت في الطريق المؤدية إليه ، و التحدي كبير جداً ، و لكن هذا هو مضمار إختبار همة العظماء من الرجال الأحرار و الشرفاء الذين نذروا أنفسهم للجهاد في سبيل الله و من أجل شعبهم و أمتهم ، و سيبقى الله خير الحافظين من كل الدسائس و المؤامرات .
د. امديرس القادري