2024-08-28 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

ملاكمة الكبار على حلبة الصغار!

د.امديرس القادري
جو 24 :

المكان كوكب الأرض ، مسرح طويل وعريض ، قارات ومحيطات ، اليابسة والماء ، دول وشعوب ، أكثر من ستة مليار إنسان على سطح هذه البسيطة ، جنوب وشمال وشرق وغرب لتحديد الموقع والمكان ، أغنياء وفقراء ، أقوياء وضعفاء ، ديانات سماوية ثلاث ، وأكثر من ثلاثة الآف اخرى أرضية ابتدعها الإنسان في مناطق مختلفة من هذا العالم ، حروب وسلام ، صحراء قاحلة ومروج خضراء ، سياسة واقتصاد ، وعسكر وحرامية ، تعليم وجهل ، مرض وصحة ، صور ليس لها آخر نعيش حكاياتها ومشاهدها يوميا ، قد نستطيع التدخل في بعضها ، بينما نقف عاجزين أمام بعضها الآخر ، بمعنى أدق هذه هي الحياة .


وفي لحظة أرادها لنا الزمن أصبح لدينا أمم متحدة ، ومجلس أمن ، وخمسة كبار والباقي صغار ، هذا هو القانون والعرف الدولي الذي جاء بعد حربين عالميتين ، وبموجب التاريخ الماضي فقد تواجد بين الخمسة عملاقان هما الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية ، وكانا يتنازعان على كل صغيرة وكبيرة وحجتهم في ذلك ضبط التوازن و الإستقرار الدولي والعالمي ، إنهار الإتحاد السوفيتي وعاد إلى وضعه السابق كجمهوريات متفرقة ، وهكذا ، دخلنا إلى حقبة القطب الواحد وأصبحت أمريكا وحدها في موقع من يأمر وينهى ، ويحلل ويحرم ، ويسمح ويمنع ، ويوافق ويرفض .


غالبية الدول وأمام هذا الواقع بدأت في ترتيب كل أمورها الداخلية والخارجية على أساس كسب الرضى والود الأمريكي حتي و لو كان على حساب استقلالها وسيادتها ، لأنه هو المدخل الوحيد لكي تحافظ على أمنها واستقرارها بعيدا عن الأنياب والبطش واللكمات الأمريكية ، والتي أصبحت رأسماليتها و دولارها و أسلحتها تتحكم برغيف خبز هذه الدول وماءها وهواءها ، أما البعض القليل الآخر فيحاول أن يشاكس ويحتج ويعارض لإثبات وجوديته حتى ولو كانت قائمة على أمجاد ماضية.


الصين وروسيا تحاولان اليوم قيادة معسكر وتحالف المعارضة الدولية و بصورة و معطيات جديدة ، الصين وبالإعتماد على الذات تحولت إلى دولة عظمى قوية في المجال الإقتصادي ، وأصبحت تهدد الولايات المتحدة على هذا الصعيد ، أما روسيا فالبرغم من إنهيار العظمة السوفيتية إلا أنها تحاول أن تشق الطريق من جديد وبحدود الممكن في ظل زعامة الرئيس الحالي بوتين من أجل العودة إل مسرح الأحداث الدولي و بشئ من العنفوان و القوة لإثبات الوجود .


بالبناء على ما سبق ، نستطيع القول أن المنطقة العربية كانت ولا تزال أرضا خصبة جدا لهذه المنازلة الدولية ، بل نستطيع أيضا الإتفاق على أنها كانت من أفضل المزارع التجريبية التي يتم اختبار " بضائع ومنتجات " هذه الدول العظمى على مدى مساحتها من الخليج وحتى المحيط ، فكل أنواع الإستعمار طافت ومرت من فوق الرمال العربية ، حروب عديدة ، وأسلحة لا حصر لها من البر والبحر والجو سقطت ذخيرتها فوق رؤوسنا ، وصولا إلى اليورانيوم المخضب الذي دسوه في الثرى العراقي الشقيق والعزيز حتى أصبحت أعداد المصابين بالسرطانات المختلفة بالآلآف ، وحتى نصل للبولونيوم الذي قتلوا أبو عمار بواسطته .


وعلى مرأى ومسمع من شعوب المنطقة ، وفي ظل تواطؤ وضعف حكامها ، قامت هذه الدول بسرقة كل شيء والمعنوي قبل المادي ، واستباحوا الأعراض ، وسلبوا الخيرات من النفط إلى الغاز ، و قسموا الدار بالأسلاك واعتبروا ذلك حدودا بين دول ، وطبعوا لنا في مطابعهم جوازات السفر والهويات وكل أنواع العملات من الدرهم حتى الدينار ، فالمهم عندهم بقاء واستمرار الهم والنار مشتعلة في نفوس البشر والناس ، وإياك أن ترفع رأسك للتظلم أو الإحتجاج فالسياط جاهزة وعلى مدار الساعة لكي تأكل الأخضر قبل اليابس من لحمك وعظامك ، هذه هي الحرية والديمقراطية التي تناسبنا في نظرهم وحسب مخططاتهم اللاإنسانية .


وفي لحظة فجائية من هذا الزمن تعالى و ارتفع صفير قطار الربيع العربي مبشراً بالتغيير وبدأت تنقلب المعادلات و تتغير الكثير من الاصول و الخلفيات مع بداية رحيل أنظمة الظلم و الإستبداد ، لكن هؤلاء الكبار بدأوا يحيكون لنا في عتم الظلمات الثوب الجديد ليتناسب مع كل المقاسات في تونس ، ومصر ، واليمن ، والبحرين ، والمغرب ، وليبيا ، وسوريا ، والأردن ، ولبنان ، وهاهو التملل فد بدأ في السودان و تحت عنوان " لحس الكوع " بعد أن أنهوا الجزء الأول من مخطط مؤامرة التقطيع و التقسيم و التجزئة الجديدة .


ما هي الحال التي ستكون عليها الأنظمة القادمة ؟ الأمثلة أمامنا واضحة حتى الآن و في كل العواصم التي قطعت شوطاً طويلاً من عملية التغيير وصولاً إلى الشقيقة الكبرى مصر التى جلس أخيراً على كرسي رئاسة جمهوريتها الدكتور محمد مرسي مرشح حركة الإخوان المسلمين الفائز عن الإنتخابات التي جرت مؤخراً ، فهل سيشكل ذلك مدخلاً تاريخياً جديداً لكي تتغير قواعد ملاكمة الكبار على أرضنا العربية ؟ و هل سنثبت لأنفسنا و للعالم بأن حلبتنا لم تعد صغيرة ؟ و أن عليها مصارعين قادرين على حماية أمنها و استقرارها و خيرات شعوبها ، فلسطين بطبيعة الحال و من الألف إلى الياء ستبقى الإمتحان الأول لإثبات مدى صحة ذلك ، و إن غداً لناظره لقريب !


د.امديرس القادري

تابعو الأردن 24 على google news