jo24_banner
jo24_banner

اغتيال وصفي التل اغتيال الحلم

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : اغتيال وصفي التل اغتيال حلم كان يداعب شغاف الأردنيين الذين وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام مخطط دولي كبير يستهدفهم ارضا وانسانا؛ كما استهدف فلسطين وأهلها أولاً، وكما يستهدف الأمة كلها، عبر تواطؤ الأبعدين والأقربين معاً.

ليس هناك أشد ضررا واثقل وطأة على الأمة من الجهل والغباء الذي يتم تغليفه أحياناً بأردية خادعة وبراقة تطيح بعقول الدهماء والسذج، تحت مطارق الشدائد وتتابع المصائب، وفي هول المحنة تضيع الحكمة وتسود الجهالة والعصبية المقيتة، ويبرز قصار النظر الذين لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم.

قرأ وصفي المشهد القائم بدقة متناهية، كما قرأه كثير من العقلاء على مستوى الأردن، وعلى مستوى العرب جميعاً، ونظر في مآلات الأمور، وأيقن تماماً أن خطوة احتلال فلسطين سوف تكون مصاحبة لخطوة أخرى مخفية تتعلق بالأردن، تشبه الاحتلال من وجه آخر، فكان لا بد من إعمال العقل بمنتهى الذكاء والدهاء والفطنة، من أجل تفويت الفرصة على العدو، وإفشال مخططاته بطريقة مشتقة من فهم الواقع المحلي والعربي والعالمي، وتستنبط من الواقع المُر طريقاً ومنهجاً قادراً على تشكيل الاعاقة الميدانية، وبناء العقبة الكؤود أمام تقدم المشروع الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني؛ القائم على فكرة جوهرية تتلخص باقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وديارهم بكل السبل الممكنة، عبر القوة والعنف والرعب والارهاب، أو عبرالترهيب والترغيب، وايجاد التسهيلات المادية والمعنوية لخروجهم وهروبهم، أو عبر البحث مع الآخرين عن الملاذات الآمنة، والأوطان البديلة.

الحل يكمن ببناء الدولة الأردنية القوية، والعمل على انخراط الشعب الأردني بمشروع وطني نهضوي شامل؛ يقوم على الاستثمار في الانسان الاردني، من أجل امتلاك القدرة على حماية هذه البقعة والدفاع عنها، ومن أجل الشروع في امتلاك اوراق القوة و اكتساب الخبرة المتكاملة في إدارتها بفاعلية وقوة، تبتعد عن العنتريات الفارغة، والشعارات الكبيرة القاتلة، والانطلاق في عملية البناء الطويلة والشاقة، التي تستند إلى رؤية صحيحة واستراتيجية وطنية صحيحة مستمدة من شرعية حقيقية واضحة بعيدة عن الزيف والخداع والتضليل.

وفي كلام أكثر صراحة وأشد وضوحاً لمن يريد الصراحة والوضوح؛ أن المشروع الصهيوني الاحتلالي بدأت خطواته الاولى بالاستيلاء على جزء من فلسطين ثم تبعتها خطوات اخرى لالتهامها كلها من البحر إلى النهر، حيث لا تتسع لدولتين كما يقول الزعماء الصهاينة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، مما يقتضي المسارعة في سياسة الاستيطان وبناء المستعمرات على كل الأرض الفلسطينية سواء المحتلة عام (48) أو عام (67)، وتوزيعها على كل الرقعة الجغرافية بلا استثناء، ونشهد استمرار هذه السياسة على أرض الواقع يوماً بيوم وساعة بساعة، وهم يسابقون الزمن في قضم الأرض والاستيلاء عليها أمام بصر المجتمع الدولي برمته، والعرب جميعاً شهود على ذلك، تحت ستار الضباب الذي يلف الإقليم حيث تضيع الرؤية ويضيع العقل والحكمة.

هذه الاستراتيجية الصهيونية المطبقة على الأرض تقتضي بكل وضوح أن تكون الأردن هي الحل الآني والمستقبلي وهي الخطوة الرديفة، ولن يكون ذلك مقتصراً على تحويله إلى مستودع للاجئين والنازحين فحسب، وإنما سوف يتم عبر إيجاد المشروع السياسي القادر على التواؤم مع الاستراتيجية الصهيونية والتناغم معها، وكل من يفهم مرامي المشروع الصهيوني وأهدافه وسياساته وأساليبه ووسائله وبرامجه وخطواته العملية يصبح في مرمى النيران، ويصبح مستهدفاً، وكل من يحاول إعاقة هذا المخطط سوف يجد نفسه مهدداً بمصير وصفي التل، اغتيالا ماديا او معنويا.

مصيبة المصائب تكمن في نجاح هذا المخطط وتحقيقه خطوات متقدمة على أيدي بعض العرب، ويتقدم رويدا رويداً مستنداً إلى جهل الجهلاء من أبناء جلدتنا، ويعمد إلى اطلاق رصاص الاغتيال والغدر من يدعي النضال ويمتهن المقاومة، ويرفع الشعارات الكبيرة، ولا يزال المشهد الحزين قائما ومستمراً.

الأردنيون يدركون بعمق أبعاد المخطط الصهيوني، ويرقبون عن قرب الأيدي التي تحمل هذا المشروع وتسانده، وتعمل على تنفيذه وتسهل له بالفكر المنحرف، والكلمة والفعل المشهود على الارض، من خلال التكيف العملي الواقعي المبرر مع جوهر هذا المشروع وحقيقته، والجيل الجديد من أبناء الشعب الأردني الأصيل سوف يكون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه اغتيال حلم الأردنيين من جديد، ولن يكونوا مستغفلين، وسوف يكونون قادرين على بناء دولتهم وحمايتها، وحمل مشروعهم الوطني الكبير الذي سوف يكون سنداً لكل مشاريع التحرير الصادقة، وهم شركاء مع كل المخلصين الصادقين في بناء المشروع العربي الإسلامي الكبير، الذي يقتضي أن يحافظ كل واحد على ثغرته، وأن لا نؤتينّ من قبله.


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير