ثورة المعرفة
الاقطار العربية التي شهدت ثورة التحرر من ربقة الاستبداد والطغيان سوف تفتح آفاقاً واسعة رحيبة امام الشعوب العربية مطلقة الارادة نحو ثورة المعرفة، وهي الثورة الحقيقية التي ستقود العالم العربي الى مراتب التحضر الحقيقي، والاسهام في بناء الحضارة الانسانية المتقدمة وسوف يكون للعقل العربي دور مميز في العقود القادمة، وإسهام مشهود في الرقيّ البشري.
ان حجم التأخر العربي عن قافلة الحضارة في القرن المنصرم كان كبيراً جداً، وكانت الخسارة التي لحقت بالعالم العربي أولاً وبالعالم كلّه ثانياً نتيجة تعطيل العقل العربي وهجرة الأدمغة نتيجة الظلم والتعسف والفساد الذي صنع بيئة عفنة تترعرع فيها الطفيليات والعقول القاصرة التي لا تعرف إلاّ نهم المال وجشع الثروة على حساب الخزينة العامة وثروة الشعوب المقهورة، الذي أدى إلى ايجاد مرحلة تعج بالتخلف والقصور، وتنميق الشعارات المضللة والخالية من المضمون.
ثورة الحرية يجب أن تؤسس إلى ثورة عظمى في مجال التخطيط والعناية بمجال التربية والتعليم من أجل توفير البيئة العلمية النموذجية للأجيال القادمة وفسح المجال للعقل العربي القادم لأن يكتسب أدوات المعرفة، ويمتلك المنهج العلمي بالتفكير المصحوب بالايمان العميق والخلق الرفيع، والانتماء الوثيق لمشروع الأمّة الحضاري الأصيل والمتميّز بمنظومته القيميّة النبيلة، ومبادئه السامية التي تحسن صياغة الانسان المتحضر وتوجه عقله نحو الابداع والابتكار، وهذا لن يتمّ إلاّ عبر منظومة متكاملة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعلمياً وتربوياً.
ويجب التنبيه إلى أنّ تحسين البيئة التعليمية و التربوية لا يتمّ عبر الاكثار من إنشاء المدارس الخاصة، والمدارس الأجنبية ذات الأقساط المرتفعة التي تقتصر على أبناء الأغنياء والذوات، ولا عبر استيراد المناهج الأجنبية والأساتذة الأجانب الذين يأخذون الرواتب العالية، فهذا يؤدي إلى تنمية مشوهة نخبوية فاشلة تنتج تلامذة مقلدين، منسلخين عن أمّتهم، ويعيشون الغربة مع مشروعهم الحضاري الإسلامي النهضوي، فلن يكون لهم إسهام فعلي في نهضة شعوبهم ولا إنقاذ بلادهم.
الحلّ يكمن بتأمين البيئة التعليمية الراقية، والمناهج القوية، والأساتذة الأقوياء على مساحة الدولة كلّها في كل مدينة وقرية، من أجل إعادة بناء الجيل كله لرعاية نشوء عقل عربي جديد، يرنو إلى المستقبل غير مثقل بتراث الاستبداد والفساد، وبالتبعية وثقافة الانسلاخ والارتباك في الانتماء؛ ويترعرع في ظلال الحريّة والإرادة الشعبية المطلقة، والانتماء العميق لمشروع الأمّة الحضاري، والارتباط الوثيق بمنظومة القيم العليا التي تكرّم الآدميّ وتعلي شأن الإنسان وترفع من مقام العلماء ليكونوا ورثة الأنبياء .
(العرب اليوم)