إلى فلسطين طريق واحد..
صدحت و أنشدت حنجرة كوكب الشرق السيدة أم كلثوم قبل عقود بهذه الكلمات البسيطة والعميقة جدا في معناها ، فالطرق ومهما تعددت فإن الوصول إلى فلسطين وتحريرها لا يمكن أن يتحقق إلا من طريق واحد ، وهذا الطريق لابد وأن يمر عبر فوهة بندقية ، وفي ذلك دلالة واضحة على الكفاح المسلح وأهميته في حسم هذا الصراع التاريخي الدائر مع العدو الصهيوني الغاصب ، والذي عمل وأجتهد من أجل توفير أقصى ما يستطيع من القوة العسكرية اللازمة التي مكنته من تحقيق هذا الإغتصاب وهذه السرقة .
ولأننا نحاول الإهتمام بالحاضر والمستقبل فسوف نقفز عن ماضي التجربة الفلسطينية ، وما تراكم على بندقية ثورتها وعلى مدى عشرات السنين من الكفاح والنضال في ظل الرايات التي رفعها الأحرار من أبناء هذا الشعب الصابر والمكافح ، فالمنظمة تأسست وقامت من أجل التحرير ، والثورة تفجرت بالإعتماد على رصاص جميع الفصائل الوطنية التي إجتمعت حول فوهة هذه البندقية والتي أمن الجميع بها كطريق رئيسي وأساسي ، وما عدى ذلك فسيبقى في الخندق الثاني الحامي والحافظ لما يجري ويدور على جبهة القتال والإشتباك المباشر مع هذا العدو ومن حيث أمكن .
هذه هي المعادلة النظيفة والنقية التي أمن وصدق وإنتمى إليها كل الفدائيين الذين فازوا بشرف الإنخراط في صفوف هذه الثورة قادة و كوادر و أفراد ، فلا أحد منهم حمل السلاح من أجل مفاوضات فارغة ،أو من أجل السلام الهزلي الكاذب الذي يلهث اليوم خلفه بعض المارقين من الذين هانت ورخصت عندهم قيم الرجولة والنضال والتضحية حتى سخر وإستهزأ منهم الصغير قبل الكبير ، وبعد أن جفت الدماء في العروق ، وتحولت عندهم فوهات البندقية إلى كوابيس تقض عليهم مضاجعهم .
لكن ، وبالرغم من طغيان هذه المهازل التي يحلو للبعض أن يتسلى بها ويعتاش ويكسب من وراءها ، فإن القضية باقية وهم راحلون ، حتى وإن تأخر الإنهيار فوق الرؤوس فإن الموت ونهاية الأجل سيلاقيهم ولا مجال للفرار من سيفه المسلط على كل الرقاب ، وقد يأتي من هم أسوأ منهم ، ولكنهم أيضا سيواجهون نفس المصير ، فنار الثورة ومهما خبت فلا بد من أن تشتعل ولو بعد حين .
الطريق الواحد الذي يمر من فوهة بندقية ، هوالمقرر الوطني الذي يجب أن يعاد تدريسه في المدارس ، والمعاهد ، والجامعات ، أليس هذا ما كان يفعله عدونا و لا يزال ، هذه هي الثقافة الوطنية التي يجب أن نغرسها في كل بيت وحارة وقرية وبلدة ومدينة ، و بداية ذلك لا بد و أن تكون بالتمرد على هذه السلطة وأجهزتها ، هذا هو المدخل الذي لا بد لنا من عبوره إذا كنا بالفعل أصحاب قضية عادلة ، إن جميع فصائل العمل الوطني و بلا إستثناء على مفترق صعب وخطير ، فحياة الذل والإنكسار تحت جناح اوسلو وأتباعه يقود إلى التلاشي والفناء التدريجي ، و أما الطريق الذي يمرمن فوهات البنادق و المقاومة فهو السبيل الوحيد للبقاء ، وهو الذي يؤدي للوصول إلى ذرى المجد .
إن الخروج من دوامة العبث اليومي الدائر يستدعي العودة إلى الشعب ، حتى يتم تنظيف الجسد الجماهيري من كل الأمراض و الأوبئة ، و هذا لن يتحقق حتى تعود جميع الفصائل إلى جادة المقاومة و المواجهة اليومية مع هذا العدو ، و الذي ندرك جميعنا أنه لا يستوعب سوى لغة القوة ، وهذا حق تقره و لا تمانعه كل مؤسسات و منظمات العالم ، فلماذا نسمح للبعض من الذين هانت الأوطان عندهم أن يمنعونا من ممارسة هذا الحق ؟.
المفاوضات ، و سلامها الفارغ ، والتباكي على الدولتان ، و التلطي وراء فزاعة وقف الإستيطان ، و المراهنة على الأمم المتحدة و مجلس الأمن و ما يسمى بالشرعية الدولية ، كل ذلك و غيره من المساخر أصبح في حكم الساقط ، فالنتوقف عن هذا الجري الفارغ وراء هذه المهازل التي إختبرناها عشرات المرات و بلا فائدة ترتجى ، هذه صفحة لا بد أن تطوى من التاريخ الذي لن يرحم ، و عليه ، فإن العودة إلى ساحات النضال و مقارعة هذا العدو و بكل السبل و الإمكانيات المتوفرة و المتاحة هو ما يجب أن يفكر فيه كل من لايزال مؤمناً و منتميا لهذه الثورة و عدالة قضيتها ، لقد تحول التجريب إلى تخريب ، وهذا ما يجب أن يتوقف فوراً ، الطريق إلى فلسطين حتما لا يمر إلا من فوهة بندقية و ما عدى ذلك فهو ضحك على الذقون ، أليس هذا ما قالته العرب ؟!.
هذا المقال بسطوره و كلماته ، نهديه بكل ألم و تواضع إلى كل الباحثين عن سبب وفاة القائد الرمز الشهيد ياسر عرفات – أبو عمار !
د.امديرس القادري