حدود الدم
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : نشرت بعض المواقع الإخبارية ووسائل الإعلام العربية دراسات أمريكية غير رسمية عن مستقبل العالم العربي والإسلامي وما يطلق عليه الأمريكان «الشرق الأوسط الكبير»، ومن جملة هذه الدراسات ما نشرته مجلة القوات المسلحة الأمريكية منسوباً للضابط الأمريكي السابق « رالف بيترز» حيث يقول إن منطقة الشرق الأوسط ستبقى تعيش توتراً دائماً وصراعاً مستمراً نتيجة للحدود الاعتباطية التي رسمها الأوروبيون بعد سقوط الأمبروطورية التركية على إثر الحرب العالمية الأولى، ما يتأكد لديه ضرورة إعادة رسم خريطة المنطقة وفقاً للمقتضى الإثني والديني والمذهبي، ما قد يؤدي إلى تقسيم بعض الدول القائمة إلى مجموعة دويلات، وتكبير بعضها وتصغير بعضها بحسب حدود الدم، وبناءً على هذه الرؤية فلا بد من الاعتراف بالدولة الكردية الممتدة من ديار بكر في الشمال إلى تبريز في الجنوب، بالإضافة إلى دولة سنية ودولة شيعية في العراق، ويقترح من جملة ما يقترح نزع الساحل السوري لصالح لبنان، ووضع مكة والمدينة تحت سلطة دينية مستقلة إسوة بالفاتيكان، وإعادة تغيير الحدود القائمة كلها وفقاً لهذه النظرة.
لا نود الاسترسال بالاقتراحات المنشورة في المقالة السابقة، ولكن عندما نرقب المشهد الإقليمي، نجد -بكل وضوح- غياب المشروع العربي، بكل أشكاله وتجلياته، بينما نشهد بكل وضوح- ازدهار المشاريع الإقليمية الأخرى التي تمتلك رؤيتها الاستراتيجية ورسالتها المحددة، وسعيها نحو امتلاك أوراق القوة من خلال الاستثمار بمجريات الأحداث على الساحات العربية، عند ذلك ينبغي أن ندرك أن هناك مخططات يجري تنفيذها، والعرب وحدهم الغافلون عن مستقبلهم ومستقبل أوطانهم ثرواتهم وأجيالهم القادمة، ويجب أن ندرك أيضاً أن الساحة العربية الخالية من الإرادة الموحدة ذات الرؤية المستقبلية، ستكون مرتعاً للراتعين، ومحلاً للمبارزة والصراع بين الأقوياء وأصحاب الأطماع.
المشروع الإيراني يكاد يكون الرابح الأكبر من خلال وجود مشروع سياسي واضح، فهم لهم مجالس حكماء ومنظرون وساسة وحكومات، تمتلك رؤية ورسالة، وأنصارا ومؤيدين منظمين وأموالا تنفق بطريقة مدروسة، وهناك مشروع تركي يحاول أن يجد موطئ قدم في الأرض العربية المجاورة، فضلاً عن وجود المشروع «الاسرائيلي» الذي يحاول أن يحصل على حصة الأسد، من خلال العمل على انشاء تحالفات جديدة مع بعض الأنظمة العربية المفرقة، بالإضافة إلى قدرتها على الاستثمار في علاقتها التاريخية مع أمريكا والدول الكبرى، وامتلاكها لمشروع توسيعي استيطاني ديني عقائدي وقومي.
المواطن العربي يشعر بالضياع والتيه فضلاً عن شعوره بالقهر نتيجة احساسه العميق بعجز معظم الأنظمة العربية الحاكمة التي تخوض معارك طاحنة مع شعوبها وقواها السياسية، ورؤية بعض الدول العربية الغنية القاصرة التي عمدت إلى توظيف أموالها في مطاردة القوى الشعبية المتنامية، ووأد الروح الثورية لدى الشباب، وتفننت في صناعة التطرف وتغذية ظواهر العنف، من أجل محاصرة ما تسميه «الأخطار الداخلية» التي تهدد حكم العائلات القبلي، ما أدى إلى زيادة مساحة الفوضى وإشاعة ثقافة الإحباط واليأس التي تهدد مستقبل المنطقة بأسرها وتأكل الأخضر واليابس.
إن الدول العربية التي فقدت الرؤية وفقدت الرسالة، وفقدت المشروع ستكون الخاسر الأول وسيلحق بها الضرر الأكبر، ولن تنفعها أموالها الطائلة، ولا إنفاقها العبثي، وستجد نفسها محاطة بالخطر الأجنبي من كل الجهات، بعد أن خسرت القوة الشعبية والتأييد الجماهيري على الصعيد الداخلي.
عندما تسقط بغداد ودمشق وطرابلس وصنعاء في براثن الفوضى والعبث فلن تبقى العواصم العربية الأخرى في مأمن، ولن يأتي الأمريكان والجيوش الغربية والشرقية ليدافعوا عنها أو أن يضحوا بأنفسهم من أجل صمودها، وسيكون هؤلاء مع من غلب، ومن يملك القوة والمشروع والرؤية المستقبلية، و»من يحصد الشوك لا يجني العنب».
مخطط حدود الدم القائم على الأسس الإثنية والدينية والمذهبية سيجد طريقه نحو التنفيذ الناجح، عندما يتحول العرب إلى أعراب تائهة، لا تملك مقومات الوحدة، ولا تملك مقومات البقاء، وغير قادرة على استثمار مواردها وتجميع طاقاتها وعاجزة عن تحقيق طموحات أبنائها، وعاجزة عن بناء قوتها الذاتية، وغير قادرة على مقاومة الغزو الأجنبي، وغير قادرة على إبطال المخططات المرسومة.
سيخرج من بيننا بعض الأذكياء الذين يمطروننا بمقولة «عقلية المؤامرة» أو بمقولة نحن نعيش في أحسن الأحوال وأبهى الحلل، ومازالوا ينثرون الحلوى، و»على نفسها جنت براقش».
الدستور
لا نود الاسترسال بالاقتراحات المنشورة في المقالة السابقة، ولكن عندما نرقب المشهد الإقليمي، نجد -بكل وضوح- غياب المشروع العربي، بكل أشكاله وتجلياته، بينما نشهد بكل وضوح- ازدهار المشاريع الإقليمية الأخرى التي تمتلك رؤيتها الاستراتيجية ورسالتها المحددة، وسعيها نحو امتلاك أوراق القوة من خلال الاستثمار بمجريات الأحداث على الساحات العربية، عند ذلك ينبغي أن ندرك أن هناك مخططات يجري تنفيذها، والعرب وحدهم الغافلون عن مستقبلهم ومستقبل أوطانهم ثرواتهم وأجيالهم القادمة، ويجب أن ندرك أيضاً أن الساحة العربية الخالية من الإرادة الموحدة ذات الرؤية المستقبلية، ستكون مرتعاً للراتعين، ومحلاً للمبارزة والصراع بين الأقوياء وأصحاب الأطماع.
المشروع الإيراني يكاد يكون الرابح الأكبر من خلال وجود مشروع سياسي واضح، فهم لهم مجالس حكماء ومنظرون وساسة وحكومات، تمتلك رؤية ورسالة، وأنصارا ومؤيدين منظمين وأموالا تنفق بطريقة مدروسة، وهناك مشروع تركي يحاول أن يجد موطئ قدم في الأرض العربية المجاورة، فضلاً عن وجود المشروع «الاسرائيلي» الذي يحاول أن يحصل على حصة الأسد، من خلال العمل على انشاء تحالفات جديدة مع بعض الأنظمة العربية المفرقة، بالإضافة إلى قدرتها على الاستثمار في علاقتها التاريخية مع أمريكا والدول الكبرى، وامتلاكها لمشروع توسيعي استيطاني ديني عقائدي وقومي.
المواطن العربي يشعر بالضياع والتيه فضلاً عن شعوره بالقهر نتيجة احساسه العميق بعجز معظم الأنظمة العربية الحاكمة التي تخوض معارك طاحنة مع شعوبها وقواها السياسية، ورؤية بعض الدول العربية الغنية القاصرة التي عمدت إلى توظيف أموالها في مطاردة القوى الشعبية المتنامية، ووأد الروح الثورية لدى الشباب، وتفننت في صناعة التطرف وتغذية ظواهر العنف، من أجل محاصرة ما تسميه «الأخطار الداخلية» التي تهدد حكم العائلات القبلي، ما أدى إلى زيادة مساحة الفوضى وإشاعة ثقافة الإحباط واليأس التي تهدد مستقبل المنطقة بأسرها وتأكل الأخضر واليابس.
إن الدول العربية التي فقدت الرؤية وفقدت الرسالة، وفقدت المشروع ستكون الخاسر الأول وسيلحق بها الضرر الأكبر، ولن تنفعها أموالها الطائلة، ولا إنفاقها العبثي، وستجد نفسها محاطة بالخطر الأجنبي من كل الجهات، بعد أن خسرت القوة الشعبية والتأييد الجماهيري على الصعيد الداخلي.
عندما تسقط بغداد ودمشق وطرابلس وصنعاء في براثن الفوضى والعبث فلن تبقى العواصم العربية الأخرى في مأمن، ولن يأتي الأمريكان والجيوش الغربية والشرقية ليدافعوا عنها أو أن يضحوا بأنفسهم من أجل صمودها، وسيكون هؤلاء مع من غلب، ومن يملك القوة والمشروع والرؤية المستقبلية، و»من يحصد الشوك لا يجني العنب».
مخطط حدود الدم القائم على الأسس الإثنية والدينية والمذهبية سيجد طريقه نحو التنفيذ الناجح، عندما يتحول العرب إلى أعراب تائهة، لا تملك مقومات الوحدة، ولا تملك مقومات البقاء، وغير قادرة على استثمار مواردها وتجميع طاقاتها وعاجزة عن تحقيق طموحات أبنائها، وعاجزة عن بناء قوتها الذاتية، وغير قادرة على مقاومة الغزو الأجنبي، وغير قادرة على إبطال المخططات المرسومة.
سيخرج من بيننا بعض الأذكياء الذين يمطروننا بمقولة «عقلية المؤامرة» أو بمقولة نحن نعيش في أحسن الأحوال وأبهى الحلل، ومازالوا ينثرون الحلوى، و»على نفسها جنت براقش».
الدستور