اللحن الفلسطيني و ضرورة تغيير العازف !
ما أن عرضت فضائية " الجزيرة " تقريرها المصور والمتعلق بظروف وأسباب وفاة القائد الرمز ياسر عرفات بدأ وبسرعة البرق العزف الفلسطيني الرسمي وعلى كل الأوتار ، فهذا ينتحب ويتباكى على الختيار الراحل ، وذاك لا يعلم هل يدق على صدره أم يلطم على الخدين ؟ ويبدو أن الحماس الذي هبط بعد بث التقرير جعل " الجماعة " في رام الله كالسكارى وما هم بسكارى ، وبذلك أصبحنا نحن القابضين على جمر الدين و العقل والمعرفة عاجزين عن متابعة تصريحاتهم المتلاحقة ، و كذلك بيانات التهديد والوعيد التي راحت تصدر عن حضراتهم كزخ المطر.
لكن لا عجب ولا غرابة في كل ما يقولون أو ما يفعلون ، ما دام الحديث عن الشهداء في نظرهم لا يغدو عن كونه تسلية وهرطقة و كلام طاير مع الريح ، فكلنا استمع إلى الحكم الذي أطلقته السيدة سهى عرفات قبل ثمانية سنوات حين قالت و من باريس وكانت تقصد توجيه الكلام للسادة محمود عباس و أحمد قريع ونبيل شعث لقد جئتم لدفنه وهو حي ، وذلك عند لحظة وصولهم إلى المستشفى للإطمئنان على صحة الختيار الذي كان ما بين الحياة و الموت ، فماذ عساها تقول اليوم يا ترى ؟.
بعد تقرير الجزيرة تداعى الأشاوس في السلطة ، وفي اللجنةالمركزية لحركة – فتح – وقرروا التوجه للأمم المتحدة ومجلس الأمن لطلب فتح التحقيق الدولي ، وناشدوا الجامعة العربية بضرورة الإجتماع العاجل لبحث الأمر الذي " فجره " تقرير الجزيرة ، وبلمح البصر بدأوا في تشكيل كل انواع اللجان الحركية و القانونية و الطبية و الشرعية ، وخرج علينا الرئيس الفلسطيني قائلاً بأنه لا يمانع في فتح القبر لأخذ العينات والخزعات لإجراء التحليلات ، ولن نستغرب أيضا إذا ما خرج علينا الهباش وزير الأوقاف بالقول بأنه رأى بأم عينه كيف أن جثمان الشهيد لا يزال و منذ أن تم دفنه ينزف دماء زكية طاهرة و إلى يومنا الراهن !
ولكن ، وقبل الذهاب بعيدا في هذا الإستهجان الإستهزاء ، ومن باب التهوين على الذات خصوصا عندما تكون الكتابة عمن رحلوا شهداء ، فإننا نضم صوتنا وضميرنا إلى كل الذين قالوا بأن الراحل الكبير قد قضى نحبه مسموما بتخطيط ورعاية تامة من الكيان الصهيوني القاتل و أن التواطؤ الدولي هو الذي مكنهم من هذه الجريمة من خلال طمس الأدلة وتزوير التحاليل ، والساقطين الفلسطينيين ورجال البطانة الهمل هم الذين نفذوا كما يشير الأستاذ رشاد أبو شاور في مقاله المنشور اليوم الأربعاء في صحيفة القدس العربي.
قُتل أبو عمار لأنه رفض التوقيع لهم على ما يحلمون به ، قُتل لأنه رفض التنازل عن القدس ، وحق العودة ، وبعد أن نجح في جعل " إسرائيل " تصطدم بنفسها ، الأمر الذي فضحها وعراها أمام العالم الصامت حتى اللحظة على جرائمها وتعنتها وصلفها وعنجهيتها ، قُتل ورحل ، وهكذا فتح الطريق أمام السماسرة الذين أطبقوا على القرار الوطني الفلسطيني في ظل الدعم والرضى الأمريكي والصهيوني والرجعي العربي ، فذرفوا دموع التماسيح لأقل من ساعة على الشهيد ، ثم راحوا لمعانقة القتلة وزيارتهم والتسامر الليلي معهم لكي تتواصل مسيرة التفاوض العبثي والسلام الكاذب ، هذه هي الحقيقة ، وهذا هو المخطط التأمري الذي نفذوه في عتم الليل .
في النهاية وبالرغم من الزوبعة الكاذبة التي أثارها الصبيان في رام الله فلن يرفض عاقل أن تظهر الحقيقة في نهاية المطاف وهي مدعمة بالوثائق والهود ، وإن كنا نرى في ذلك مستحيلا ،وعليه ، فلتذهب السيدة عرفات التي تحمل الجنسية الفرنسية لرفع الدعوى القضائية أمام المحاكم الفرنسية بالرغم من مرور ثمانية سنوات على الجريمة فهذا من شأنها ، ولتجتمع كل الهيئات والمؤسسات لأغراض البحث والتحقيق والتقصي وإن كنا لا ننتظر منهم جديدا على هذا الصعيد ، و ليقل توفيق الطيراوي و الدكتور البشير ما يحلو لهم ، فكل ما سيخرجون به هو في حكم المعروف مسبقا لكل أبناء شعبنا الذين بكوا دماً في يوم الوداع .
لكن الأهم هو في ما سنقوله نحن عامة الناس للبقية الباقية من الرجال في فلسطين ، نقول أن الشهيد الراحل ومعه بقية الشهداء الذين أقدمت على قتلهم وإغتيالهم عصابات الكيان الصهيوني و بشتى الطرق و السبل و الوسائل ، بأنهم لن يرتاحوا أبدا حتى يتم أخذ الثأر لهم ، وهذا لن يتم و لن يتحقق إلا بالعودة للثورة ، والمقاومة، والإنتفاضة التي ستفتح الأبواب نحو المواجهة الشاملة مع عدونا المجرم ، هذا ما يريده الأحرار و كل الشرفاء ، وعليه ن فلتذهب هذه السلطة و كل لجانها و تقاريرها إلى الجحيم غير مأسوفاً عليها.
أقارب الكبير الراحل يقولون " اتركوه يرتاح في تربته " ، هذا هو اللحن الشعبي الفلسطيني الصادق الذي ترتاح لسماعه الأذن ، أما ألحان السلطة فكلها نشاز و كذب و دجل ، ونحن على قناعة تامة أنها لن تتغير ، فالمشكلة لم تكن أبداً مع الألحان ، بل مع العازف الذي يجب أن يتغير ، هذا هو المحك و التحدي و الإمتحان ، و هذا ما يجب أن نختبر إرادتنا على أساسه إذا كنا نريد أن نبقى صادقين مع أنفسنا و مع شهداءنا.
د.امديرس القادري