وأنت تتناول إفطارك تذكر..
وأنت تتناول إفطارك، تذكر كل الفقراء والجائعين الذين عزّت عنهم لقمة العيش، وذاقوا العذابات عند تحصيلها..
وأنت تتناول إفطارك، تذكر أطفال الجنوب الذين يفطرون على كأس من شاي وكسرات خبز، بعد أن عجز الأب أو الأخ أو الأم الأرملة عن شراء كيلو من اللحم البلدي أو حتى المستورد..
وأنت تتناول إفطارك، تذكر أن بعضهم قطع رحلة طويلة ليصل إلى إحدى موائد الرحمن، ليتحصل على وجبة طعام كاملة الدسم..
وتذكر العائلات التي اكتوت بنار الحر والأسعار، وعضت على وجعها وجوعها لا لشيء إلا لأنها مخلصة للوطن أكثر من بعض الحكومات التي لم تخلص له، وظنت في غفلة منها أنها أهم من الشعب!
وأنت تتناول إفطارك، تذكر أمك التي هجرتها في دار للمسنين بعد أن رفضت الزوجة أن تجلس معها في بيت واحد، وارتضيت أنت عقوق الوالدة..
وأنت تتناول إفطارك، تذكر كل المحرومين والعاطلين عن العمل، الذين حلموا بفرصة عمل لم توفرها لهم عمليات الخصخصة، وعجزت كل النظريات عن إعطائهم بعض حقوقهم..
وأنت تتناول إفطارك وتشرب الماء "المفلتر"، تذكر أولئك العطشى الذين لم يجدوا قطرة ماء في ساعات القيظ والصيام، وآثروا النوم لتمرير بعض من الوقت الثقيل..
وأنت تتناول إفطارك، تذكر من أحبوا الوطن وأخلصوا له بكلمة حق، وخاضوا معارك وجدلا طويلا من أجل مصلحة البيت الكبير الذي خربه أصحاب الأجندات الخاصة الساعين إلى الحفاظ على مكتسبات استحوذوا عليها بدون وجه حق..
وأنت تتناول إفطارك، تذكر من نهبوا مالك وأرضك، وفسدوا وأفسدوا، واغتصبوا حق آلاف الأسر في عيشة كريمة، وكدسوا الملايين في حسابات خاصة، بعد أن جاؤوا على كل شيء ولم يتركوا إلا الخراب..
وأنت تتناول إفطارك، تذكر قرى بكامل أهلها منسية وتعاني إهمالا ليس له حدود، وفقرا طعمه مرّ، وقهرا يفوق ارتفاع جبال الهملايا؛ وتذكر أنهم دفعوا ثمن أخطاء غيرهم وهفواتهم لعقود..
وأنت تتناول إفطارك، تذكر إخوتك من اللاجئين السوريين الذين تركوا الوطن هربا من حاكم ظالم، وسكنوا خياما بانتظار العودة إلى الدار التي تركوها وقلوبهم معلقة بها.
ولا تنس أطفال الحاويات وهم كثر، وحاول أن تشتم رائحتهم وأن تتذوق تعبهم، وافتقادهم إلى حضن دافئ وقليل من الحنان، وتذكر أن حظهم العاثر قذفهم في أفواه الحاويات..
وأنت تتناول إفطارك، تذكر الأخت التي حرمتها من الميراث، بعد أن أسقطت من حسابك الضمانات الشرعية التي تضمن حقوقها، وضع في بالك أنك تطعم أولادك مالا حراما..
وأنت تتناول إفطارك، تذكر الأيتام النائمين على الدوار، وأقرانهم ممن لم نسمع صوتهم بعد، واعلم أن المجتمع ضاعف يتمهم وزرع حسرة أكثر في قلوبهم الصغيرة..
وأنت تتناول إفطارك، تذكر النساء المعنفات اللواتي لم يجدن قلبا كريما يحترم آدميتهن، وأطفال السرطان، والسيدة التي تقطن الخيمة، وعاملات المنازل، وأصحاب المداخيل المتهالكة، والقلقين والمستفزين والغاضبين وفاقدي الأمل..
وأنت تتناول إفطارك، تذكر شبابا رضعوا حب الأرض واعتنقوا دينها، لكنها لفظتهم ولم تتسع لهم ولأحلامهم وآمالهم، فقرروا أن يحققوا أحلامهم بإصرار ليس له حدود..
تذكر وطنا يئن ويختنق من قلة إحساس أبنائه به.
(الغد)