jo24_banner
jo24_banner

الثورة على منطق الوصاية

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : جوهر الثورة العربية الحديثة يرتكز على رفض منطق الوصاية على الشعوب من أيّ جهة أو من أيّ طرف؛ خارجي أو داخلي، ومهما تسربل بأي ثوب أو شكل مصنوع بأي صورة علويّة فوقية تحمل معاني تغييب الجماهير والاستخفاف بها واستغفالها والنظر إليها أنّها عبارة عن قطعان ورعاع تأكل وتشرب وتصفق وتركع وتخضع وتسبح بحمد الأوصياء.
منطق الوصاية جاءت به الدول الاستعمارية التي كانت ترى نفسها مالكة التقدم والحضارة، وأنّ الشعوب المستضعفة شعوب متخلفة وعاجزة عن إدارة نفسها، ولذلك ابتدعوا منهج الانتداب والوصاية، وأصبحت بلادنا خاضعة للمندوب السامي الأجنبي الذي يأمر وينهى ويقتل ويسجن وينفي ويصادر المقدرات ويفرض الأتوات ويحرق الزروع ويستخدم العقوبة الجماعية ويصدر أوامره بلهجةٍ مملوءةٍ غطرسةً واحتقاراً وازدراءً، والويل كل الويل لمن يخالف أو يعارض أو يظهر عدم الرضا.
ثارت الشعوب العربية على المنطق الاستعماري، ومنهج الوصاية وشخصية المندوب السامي، وخضعت بعد التحرير لصاحب السحنة العربية واللسان العربي والخطيب المفوه؛ ليحل محل المندوب السامي، وظنّت الشعوب أنّ الوصي الجديد الذي يحمل في عروقه الدم العربي سوف يخلصها من مرارة الظلم وعسف الاجنبي، وسوف يحررها من الإذلال الممزوج بالقهر والجوع والبؤس والاستخفاف، ولكنّهم وجدوا أنفسهم يخضعون للمنطق نفسه والمنهج ذاته، الذي استمرأ الاستمرار بالسطو على مقدراتها وسرقة قوتها ومصادرة حقوقها وحرياتها، وإبعادها عن المشاركة في السلطة أو اختيار الحكومات، وحرمانها من حق تقرير مصيرها، وأشبعوها خطابات ثورية مليئة بعبارات شتم الاستعمار والإمبريالية، وأجادوا المقاومة بالكلام والممانعة عبر الصحف ووسائل الإعلام، وجنّدوا البلغاء والشعراء والكتاب والمفكرين المرتزقة؛ ليمارسوا عملية التضليل والخداع والتدليس، وقلب الهزائم انتصارات، والفساد إصلاحاً، والسرقة والنهب والسلب نوعاً من الانجاز.
في ظل ثورة الشعوب العربية الحديثة ما زال أغلب زعماء النظام العربي ـ إن لم يكن كلهم ـ يمارسون منطق الوصاية ومنهج المندوب السامي في الإصلاح والدعوة إلى الإصلاح، ونسوا أو تناسوا أنّ منطق الإصلاح السياسي يتناقض مع منطق الوصاية، ويتعارض مع منهج الاستعلاء والاستفراد بالمسؤولية، وإنزال الإصلاح على شكل طرود الخير.
لا يكون الإصلاح إصلاحاً؛ إلاّ إذا كان فعلاً شعبياً جماهيرياً، ولا يجوز أن يسمّى إصلاحاً إلاّ إذا كان فعلاً تشاركياً يسفر عن عقد اجتماعي تصوغه مكونات المجتمع، وقواه السياسية الحيّة، بلا وصاية، ولا إملاءات خارجية أو داخلية تؤدي حتماً وفوراً إلى تمتع الشعوب بحقها الكامل بالسلطة الفعلية وسيادتها التامة على أوطانها.

rohileghrb@yahoo.com


(العرب اليوم)
تابعو الأردن 24 على google news