السجال حول الحلّ المصري
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : «مقالة الحل يبدأ من مصر» المنشورة في «الدستور» قبل يومين أثارت سجالاً عريضا، وعاصفة شديدة من التعليقات والانتقادات والاقتراحات، بعضها يتَّسم بالرُّشد والعقلانية والحوار البنّاء، وبعضهم أثنى ثناءً عطراً وبالغ بالثناء والمدح، وبعضهم عدَّها مجرد رأي وحرية تعبير يجب أن تحترم بغض النظر عن الموافقة والمعارضة، وبعضهم اعتبرها مبادرة مستعجلة ورأياً مسلوقاً يحتاج إلى مزيد من الإنضاج والدراسة والبحث، وبعضهم انتقد بشدة وبالغ بالوصف، وبعضهم وصل إلى درجة الاسفاف.
المقالة السابقة حاولت لفت الانتباه إلى ضرورة التفكير بالحلِّ، وضرورة الشروع بمحاولة البحث عن مبادرة توقف هذا النزيف الانساني والسياسي والاقتصادي الذي ألحق ضرراً فادحاً بالدولة المصرية والمصالح العليا للشعب المصري، كما ألحق الضرر بالدول العربية جميعاً، وربما كانت الأحداث المصرية سبباً في زيادة منسوب التطرف والعنف بوجه عام، حيث يؤكد بعض المراقبين أن أكثر الملتحقين بداعش والمجموعات المقاتلة مؤخرا هم من الشباب المصري، وركزت المقالة على ضرورة بذل الجهد من كل أصحاب النظر والهم الوطني والقومي والإسلامي بوجه عام.
يحضرني في هذا السياق حادثة نقلتها كتب السيرة عمّا فعله الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الأحزاب المعروفة، حيث استطاعت قريش أن تحشد قبائل العرب من أجل اجتثاث الكيان الجديد الذي ولد في يثرب، ورأوا فيه تهديداً لهم ولمصالحهم، فاستدعى الرسول «صلى الله عليه وسلم» زعماء غطفان وكانوا يشكلون قوة كبيرة في الحلف القرشي الغازي لا يستهان بها، وعرض عليهم أن يرجعوا وينسحبوا من الحصار مقابل أن يدفع لهم ثلث ثمار المدينة، فغضب سعد بن معاذ وسعد بن عبادة -زعيما الأنصار- وقالا للنبيِّ : أندفع الجزية بعد أن أعزنا الله بالإسلام،والله ما طمعوا في ثمار المدينة إلا قرى أو بثمن، وتم الغاء الاتفاق.
العبرة في هذا الحدث، هي طريقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتفكير حيث قال : « انِّي رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ , فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ شَوْكَتَهُمْ « وما تم اقتراحه في المقالة السابقة لا يصل إلى درجة دفع الجزية، وإنما المطلوب أن تتم قراءة المشهد بدقة ورؤية ما يجري في نطاق المصلحة العامة ومصلحة مصر والعرب، وعدم البقاء في نطاق المصلحة الحزبية أو الفئوية، مع توضيح الحق الذي يعتقدونه وتسليم الأمر للشعب المصري بكل مكوناته.
يقول أحدهم: ولكن ماذا على الطرف المقابل؟ فالإجابة معروفة، هي إعلان المصالحة العامة، ووقف حالة التوتر، والإفراج عن كل المعتقلين وفك كل القيود عن الجماعة وتنظيمها ومؤسساتها وأموالها،وعن بقية الاحزاب الاخرى التي تتعرض للتضييق والملاحقة، وضرورة التوافق على معالم المرحلة القادمة، وفقاً لترتيبات وبنود واضحة ومحددة ومشهودة ومتفق عليها.
بعضهم يعتبر ذلك حلماً وضرباً من الرومانسية، وبعضهم في مقابل ذلك يعتبرها تنازلاً وانهزامية، ولكن يمكن ما بين المشهدين صياغة مشهد معتدل، يضع حداً لهذه الحالة التي تسير على غير هدى، ومن يملك رؤية أفضل وأكثر إحكاماً فليقدمها للحوار ويبسطها للنقاش، لعلّ الله يأتي بالفرج.
ما ينبغي الإشارة إليه أن هناك من يتشدد بالأقوال والتصريحات عن بعد؛ دون أن يملك درجة من الاحساس بوقع الحوادث وألمها، والأمر الأكثر أهمية أن نفكر جميعاً بمعالم الحل القابل لموافقة الطرفين، والقابل للتطبيق، ويأخذ بعين الاعتبار مصلحة مصر كلها دولةً وشعباً ومقدرات، التي ينبغي أن نتنافس جميعاً على تقيقها ورفعة شانها ، واقناع الشعب بذلك، وفي نهاية المطاف أزجي الشكر لكل المتفاعلين مع هذا الاقتراح، واتمنى مزيداً من المبادرات الأكثر قرباً من الصواب، والأكثر تحقيقاً للهدف.
"الدستور"
المقالة السابقة حاولت لفت الانتباه إلى ضرورة التفكير بالحلِّ، وضرورة الشروع بمحاولة البحث عن مبادرة توقف هذا النزيف الانساني والسياسي والاقتصادي الذي ألحق ضرراً فادحاً بالدولة المصرية والمصالح العليا للشعب المصري، كما ألحق الضرر بالدول العربية جميعاً، وربما كانت الأحداث المصرية سبباً في زيادة منسوب التطرف والعنف بوجه عام، حيث يؤكد بعض المراقبين أن أكثر الملتحقين بداعش والمجموعات المقاتلة مؤخرا هم من الشباب المصري، وركزت المقالة على ضرورة بذل الجهد من كل أصحاب النظر والهم الوطني والقومي والإسلامي بوجه عام.
يحضرني في هذا السياق حادثة نقلتها كتب السيرة عمّا فعله الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الأحزاب المعروفة، حيث استطاعت قريش أن تحشد قبائل العرب من أجل اجتثاث الكيان الجديد الذي ولد في يثرب، ورأوا فيه تهديداً لهم ولمصالحهم، فاستدعى الرسول «صلى الله عليه وسلم» زعماء غطفان وكانوا يشكلون قوة كبيرة في الحلف القرشي الغازي لا يستهان بها، وعرض عليهم أن يرجعوا وينسحبوا من الحصار مقابل أن يدفع لهم ثلث ثمار المدينة، فغضب سعد بن معاذ وسعد بن عبادة -زعيما الأنصار- وقالا للنبيِّ : أندفع الجزية بعد أن أعزنا الله بالإسلام،والله ما طمعوا في ثمار المدينة إلا قرى أو بثمن، وتم الغاء الاتفاق.
العبرة في هذا الحدث، هي طريقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتفكير حيث قال : « انِّي رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ , فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ شَوْكَتَهُمْ « وما تم اقتراحه في المقالة السابقة لا يصل إلى درجة دفع الجزية، وإنما المطلوب أن تتم قراءة المشهد بدقة ورؤية ما يجري في نطاق المصلحة العامة ومصلحة مصر والعرب، وعدم البقاء في نطاق المصلحة الحزبية أو الفئوية، مع توضيح الحق الذي يعتقدونه وتسليم الأمر للشعب المصري بكل مكوناته.
يقول أحدهم: ولكن ماذا على الطرف المقابل؟ فالإجابة معروفة، هي إعلان المصالحة العامة، ووقف حالة التوتر، والإفراج عن كل المعتقلين وفك كل القيود عن الجماعة وتنظيمها ومؤسساتها وأموالها،وعن بقية الاحزاب الاخرى التي تتعرض للتضييق والملاحقة، وضرورة التوافق على معالم المرحلة القادمة، وفقاً لترتيبات وبنود واضحة ومحددة ومشهودة ومتفق عليها.
بعضهم يعتبر ذلك حلماً وضرباً من الرومانسية، وبعضهم في مقابل ذلك يعتبرها تنازلاً وانهزامية، ولكن يمكن ما بين المشهدين صياغة مشهد معتدل، يضع حداً لهذه الحالة التي تسير على غير هدى، ومن يملك رؤية أفضل وأكثر إحكاماً فليقدمها للحوار ويبسطها للنقاش، لعلّ الله يأتي بالفرج.
ما ينبغي الإشارة إليه أن هناك من يتشدد بالأقوال والتصريحات عن بعد؛ دون أن يملك درجة من الاحساس بوقع الحوادث وألمها، والأمر الأكثر أهمية أن نفكر جميعاً بمعالم الحل القابل لموافقة الطرفين، والقابل للتطبيق، ويأخذ بعين الاعتبار مصلحة مصر كلها دولةً وشعباً ومقدرات، التي ينبغي أن نتنافس جميعاً على تقيقها ورفعة شانها ، واقناع الشعب بذلك، وفي نهاية المطاف أزجي الشكر لكل المتفاعلين مع هذا الاقتراح، واتمنى مزيداً من المبادرات الأكثر قرباً من الصواب، والأكثر تحقيقاً للهدف.
"الدستور"