سهرة رمضانية مع المتقاعدين العسكريين
دعيت إلى سهرة رمضانية مع ثلّة من المتقاعدين العسكريين من مختلف الرتب العسكرية والذين يتمتعون بحس وطني عارم، وجرأة في لمس قضايا الوطن منقطعة النظير، وأفق استراتيجي رحب، ممزوج بالأدب والذوق وعدم الخروج عن ثوابت الحوار الجاد، الذي يفيض بالانتماء والإخلاص والحرص على استقرار الدولة وأمنها، المشوب بالقلق والخوف على مستقبل الأجيال.
لقد استمعت إلى عدد من مداخلاتهم بإصغاء، ووجدت أنه من الضروري إيصال هذا الصوت المهم إلى القراء بطريقة صحيحة بعيدة عن التشويه أو المزايدة أو الاستثمار الموجه نحو مصلحة ضيقة لا تصب في المصلحة الوطنية العامة ووجدت من الواجب أن أجلي بعض المعاني الجوهرية التي تمثل المرتكزات الأساسية لهذا التجمع الوطني الذي يملك مقومات التأثير المستقبلي في المشهد السياسي الأردني.
المداخلة الأولى كانت واضحة في توضيح معالم التوجه المشترك لدى هذه الكوكبة الوطنية من رجالات الأردن، فالمرتكز الأول هو الإسلام العظيم بمبادئه وقيمه وحضارته الذي يمثل المضمون الفكري والإطار الجامع لنا جميعاً، والمرتكز الثاني يتمثل بالانتماء العروبي الأصيل الذي نفتخر به، لغة وقومية وأخلاقاً وتراثاً والمرتبط بالإسلام، أما المرتكز الثالث فهو حب الأردن والحرص عليه وصون أمنه واستقراره وحمايته بالمهج والأرواح، وهذه المرتكزات الثلاثة تتكامل فيما بينها ولا تتناقض ولا تتصادم.
المداخلة الثانية ركزت على تحديد العدو الأول للأردن وهو المشروع الصهيوني الذي يتمثل باحتلال فلسطين ويشكل التهديد الأخطر والأكبر على الأردن وطناً وشعباً ومستقبلاً، ولن ينسى الأردنيون تضحيات الجيش الأردني على مشارف القدس وباب الواد واللطرون وفي مختلف المواقع على التراب الفلسطيني عبر نصف قرن من الصراع، وينبغي أن نبقى أوفياء لهذه الدماء الغالية.
المداخلة الثالثة ركزت على الهواجس التي تخالج ضمائر المتقاعدين ومعهم جمهور كبير من الشارع الأردني، والتي يجب عدم تجاهلها أو التعامل معها بالتغافل والنسيان، وهي وجيهة وتستحق الحوار العميق والواسع من أجل إزالتها ومعالجتها من قبل القوى السياسية وعلى رأسها الحركة الإسلاميّة وأهمها:
الهاجس الأول يتمثل بالخوف على الهوية الوطنية، فقال أحدهم لقد حاورت سياسيين كبارا من الأمريكان والغربيين عموماً وحتى الروس أيضاً كلهم مجمعون على أن حل مشكلة الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" يتمثل بالحل على حساب الأردن بمعنى يجب إقامة وطن بديل للفلسطينيين في الأردن لكونها تحوي أكبر قدر من أعداد اللاجئين الفلسطينيين ويجب أن تحل مشكلة اللاجئين بشكل نهائي بعيداً عن التفكير بحق العودة الذي يهدد مستقبل الكيان الإسرائيلي، وهذا الهاجس ينعكس على مسار الإصلاح، ويمثل مرجعية نظرية في تفسير سلوك الحركة الإسلامية السياسي.
الهاجس الثاني يتمثل بالخوف من الفساد الذي أتى على مقدرات الأردن وثرواتها ويهدد مستقبل الأجيال القادمة وأدى إلى تفجر أزمة اقتصادية خانقة جعلت الأردنيين يشعرون بالخطر الحقيقي في ظل عدم وجود جديّة حقيقية للتخلص من النخب الفاسدة التي تتحكم بمواقع القرار.
وأنا بدوري أدعو الحركة الإسلامية والقوى السياسية الوطنية إلى حوار وطني مؤسسي ومنهجي من أجل التعاون الحقيقي والمشاركة الفاعلة من أجل التوصل إلى صيغة إجماع وطني تضمن حماية الأردن وإنقاذه وتواجه الهواجس التي تعكر صفو الحراك الوطني وتحول توحد الشارع الوطني على مشروع الإصلاح.
rohileghrb@yahoo.com
(العرب اليوم)