من وحي المقابلة الملكية
بسام حدادين
جو 24 : قرأت بشغف واستمتاع مقابلة الملك مع شبكة التلفزة الأميركية "بي بي أس"، والتي أجراها الإعلامي الشهير تشارلي روز، الذي نجح في سبر غور الملك واستنطاقه بذكاء وحرفية عالية. قدم الملك وجبة سياسية وفكرية وإعلامية دسمة، وأجاب في المقابلة عن أسئلة كثيرة تشغل الرأي العام المحلي، وقدم من خلالها قراءة واضحة ومتماسكة للشأن السياسي المحلي، ورؤيته للإصلاح السياسي، وللربيع الأردني ومضامينه ومحطاته وآفاقه. ولم يفوت الملك فرصة محاكاة الرأي الآخر (الإخوان المسلمين) ومساجلة طروحاتهم، بمسؤولية وطنية، والحرص على مشاركتهم في العملية السياسية الجارية.
الحديث الملكي المتدفق جاء بفعل عاملين اثنين: أولهما ذكاء وحنكة محاوره روز، الذي حضّر درسه جيدا، وأتبع أسئلته الرئيسة بأسئلة وتعليمات فرعية مكملة، دخلت إلى عمق الأفكار وتفاصيل المشهد. أما العامل الثاني، وهو الأهم والأساس، وأظهرته المقابلة بشكل جلي، فهو: إطلالة الملك على تفاصيل المشهد المحلي والعربي والإقليمي، ومتابعته لأدق التفاصيل، وامتلاكه رؤى وتصورات متكاملة.
في الشأن المحلي، دلت إجابات الملك على أن له رؤيته الواضحة، وقراءته الخاصة للمشهد المحلي، واللتين شكلهما بمتابعاته واتصالاته المباشرة مع الناس، وليس فقط اعتمادا على التقارير الورقية التي تُغرق مكاتب القادة والزعماء، أو بفعل "وسواس" الرجال المحيطين به.
هذه المقدمة "الغزلية" لأقول بأننا احتجنا إلى إعلامي أجنبي محترف كي يُجري مقابلة مهنية مع قائد الوطن، لنعرف ويعرف الرأي العام والجمهور الأردني بدقة كيف يفكر الملك، وبأي منطق ووفق أي اعتبارات تُصنع السياسة الأردنية.
وهذه المقدمة لأندب حظ النخبة السياسية الحاكمة التي نأى زعماؤها بأنفسهم عن الجدل المحتدم في الساحة السياسية، باستثناءات محدودة لا تتعدى نصف أصابع اليد الواحدة. وكل واحد منهم يتحسس رأسه ويعقد لسانه صونا لصورته "الناصعة"، وتجنبا لخصومات تعيق طموحاته "الخلاقة". هذا إذا افترضنا حسن النية، باعتبارهم يدعمون أفكار الملك الإصلاحية. إنهم يتركون الملك وحيدا. همّ بعضهم مناكفة الحكومات حتى تسقط.
وحتى حكومات الربيع الأردني مصابة بالبكم، لا ينطق سوى رئيسها (بالمناسبة أقدر للرئيس فايز الطراونة دفاعه المستميت عن قناعاته، وأقدر أيضا للناقدين من النخبة السياسية الحاكمة نقدهم وإبداء رأيهم).
وقد بدأت حالة النأي بالنفس للأسف تطال سياسيين وإعلاميين وكتاب رأي مستقلين، حتى وصل الأمر إلى الإساءة للملك من على شاشة فضائية أردنية، ولا تجد أحدا منهم يدافع عن هيبة الملك ورمزيته. تناولوا الموضوع من جانب الحريات الإعلامية فقط، بدون الحديث عن واجب الإعلام في منع المساس بالملك المعفى من أي تبعة أو مسؤولية بحكم الدستور؛ فالملك مثل العلم الأردني، رمز من رموز الدولة والوطن. في المحطات الحرجة والتحولات السياسية الكبرى، لا يجوز الخضوع للإرهاب الفكري والبحث عن راحة البال. أما الرسالة الجوهرية التي حملتها المقابلة في الشأن المحلي، فمفادها أن لدى الملك طموحا كبيرا نحو الإصلاح، لكنه يؤمن بالإصلاح المرحلي التدريجي. وأن ما تم من إصلاحات ليس نهاية المطاف. وأن كل شيء قابل للتطوير، بما في ذلك الدستور وقانون الانتخاب.
ويرى الملك أن البرلمان القادم هو ميدان الصراع السياسي من أجل الانتقال إلى محطات جديدة في التغيير في أساليب الحكم وإدارة البلاد، وأن العمل سيكون مع البرلمان للارتقاء بالأداء الحكومي وإحداث التغيير. الملك يدعونا كأردنيين إلى أن نجعل ربيعنا الأردني ينطلق من صناديق الاقتراع. المنطق السياسي يقول، بغض النظر عن الملاحظات على قوانين الإصلاح التي استقرت، فليس أمام الإصلاحيين والمستقبليين سوى تلبية نداء الملك، وإنجاح الانتخابات القادمة.
الحديث الملكي المتدفق جاء بفعل عاملين اثنين: أولهما ذكاء وحنكة محاوره روز، الذي حضّر درسه جيدا، وأتبع أسئلته الرئيسة بأسئلة وتعليمات فرعية مكملة، دخلت إلى عمق الأفكار وتفاصيل المشهد. أما العامل الثاني، وهو الأهم والأساس، وأظهرته المقابلة بشكل جلي، فهو: إطلالة الملك على تفاصيل المشهد المحلي والعربي والإقليمي، ومتابعته لأدق التفاصيل، وامتلاكه رؤى وتصورات متكاملة.
في الشأن المحلي، دلت إجابات الملك على أن له رؤيته الواضحة، وقراءته الخاصة للمشهد المحلي، واللتين شكلهما بمتابعاته واتصالاته المباشرة مع الناس، وليس فقط اعتمادا على التقارير الورقية التي تُغرق مكاتب القادة والزعماء، أو بفعل "وسواس" الرجال المحيطين به.
هذه المقدمة "الغزلية" لأقول بأننا احتجنا إلى إعلامي أجنبي محترف كي يُجري مقابلة مهنية مع قائد الوطن، لنعرف ويعرف الرأي العام والجمهور الأردني بدقة كيف يفكر الملك، وبأي منطق ووفق أي اعتبارات تُصنع السياسة الأردنية.
وهذه المقدمة لأندب حظ النخبة السياسية الحاكمة التي نأى زعماؤها بأنفسهم عن الجدل المحتدم في الساحة السياسية، باستثناءات محدودة لا تتعدى نصف أصابع اليد الواحدة. وكل واحد منهم يتحسس رأسه ويعقد لسانه صونا لصورته "الناصعة"، وتجنبا لخصومات تعيق طموحاته "الخلاقة". هذا إذا افترضنا حسن النية، باعتبارهم يدعمون أفكار الملك الإصلاحية. إنهم يتركون الملك وحيدا. همّ بعضهم مناكفة الحكومات حتى تسقط.
وحتى حكومات الربيع الأردني مصابة بالبكم، لا ينطق سوى رئيسها (بالمناسبة أقدر للرئيس فايز الطراونة دفاعه المستميت عن قناعاته، وأقدر أيضا للناقدين من النخبة السياسية الحاكمة نقدهم وإبداء رأيهم).
وقد بدأت حالة النأي بالنفس للأسف تطال سياسيين وإعلاميين وكتاب رأي مستقلين، حتى وصل الأمر إلى الإساءة للملك من على شاشة فضائية أردنية، ولا تجد أحدا منهم يدافع عن هيبة الملك ورمزيته. تناولوا الموضوع من جانب الحريات الإعلامية فقط، بدون الحديث عن واجب الإعلام في منع المساس بالملك المعفى من أي تبعة أو مسؤولية بحكم الدستور؛ فالملك مثل العلم الأردني، رمز من رموز الدولة والوطن. في المحطات الحرجة والتحولات السياسية الكبرى، لا يجوز الخضوع للإرهاب الفكري والبحث عن راحة البال. أما الرسالة الجوهرية التي حملتها المقابلة في الشأن المحلي، فمفادها أن لدى الملك طموحا كبيرا نحو الإصلاح، لكنه يؤمن بالإصلاح المرحلي التدريجي. وأن ما تم من إصلاحات ليس نهاية المطاف. وأن كل شيء قابل للتطوير، بما في ذلك الدستور وقانون الانتخاب.
ويرى الملك أن البرلمان القادم هو ميدان الصراع السياسي من أجل الانتقال إلى محطات جديدة في التغيير في أساليب الحكم وإدارة البلاد، وأن العمل سيكون مع البرلمان للارتقاء بالأداء الحكومي وإحداث التغيير. الملك يدعونا كأردنيين إلى أن نجعل ربيعنا الأردني ينطلق من صناديق الاقتراع. المنطق السياسي يقول، بغض النظر عن الملاحظات على قوانين الإصلاح التي استقرت، فليس أمام الإصلاحيين والمستقبليين سوى تلبية نداء الملك، وإنجاح الانتخابات القادمة.