قواعد الاشتباك الجديدة عند الإسلاميين
بسام حدادين
جو 24 : كتب القيادي البارز في الحركة الإسلامية د. ارحيل غرايبة، مقالين جريئين في صحيفة "العرب اليوم"، انتقد فيهما من وصفهم بالذين "صدقوا أنفسهم أنهم صقور، ومضوا في التمثيلية إلى آخرها من أجل كسب الشعبية والتلاعب بعواطف الشباب". رافضا توصيف ما يجري داخل الحركة بأنه صراع بين صقور وحمائم، غامزا من قناة تصريحات خالد مشعل، زعيم "حماس"، الأخيرة.
قبل أن أسرد قصة هذه التسميات، أود أن أشيد بجرأة د. غرايبة وتمرده على القواعد التنظيمية البالية التي تسود في جميع الأحزاب الشمولية على اختلافها، والتي تحظر على العضو الحزبي أن يعبر عن رأيه علنا خارج الأطر التنظيمية، حفاظا على "وحدة العمل والإرادة"؛ هذه المقولة السلطوية البائسة التي تشبه مقولة "الحفاظ على الوحدة الوطنية"، والتي تستعملها السلطات غير الديمقراطية. فحرية إبداء الرأي والنقد العلني لسياسات الحزب وممارساته، تتيح لمجموع أعضاء الحزب والجمهور والرأي العام المشاركة في الحوار، ما يثري النقاش ويعود بالفائدة على الحزب والمجتمع. وهذا الانفتاح يساعد الحزب على التلاقي مع نبض المجتمع وروح العصر.
أما قصة تسميات "الصقور" و"الحمائم" الدارجة اليوم، فيذكرها صديقي النائب السابق محمد أبو فارس. فقد قال قديما، ورددها في أكثر من مقابلة صحفية في معرض رفضه لهذه التصنيفات حينئذ: إنها من صنيعة "اليساري" بسام حدادين.
اعترف بأنني أول من أطلق هذه التوصيفات. وكان ذلك قبل أكثر من 17 عاما. حينها كتبت مقالا في صحيفة "البلاد" الأسبوعية عن صراع الصقور والحمائم في الجماعة. وكنت قد استعرت التشبيه، مع الفارق والاحترام، من صراع الحمائم والصقور في الخريطة السياسية الإسرائيلية حول عملية السلام، إذ كان الصراع على أشده بينهما.
لا أظن أن توصيفات الأمس صالحة اليوم. لا بل غدت مضللة ولا تعكس الواقع. وأدعو إلى سحبها من التداول الإعلامي. فقد شهدت الحركة الإسلامية تحولات كبرى خلال الخمس عشرة سنة الماضية، وطرأ تغير عميق على خطابها وسلوكها السياسي وبنيتها التنظيمية واصطفافاتها الداخلية. وطال ذلك صقورها وحمائمها على حد سواء.
"صقور" الأمس كانوا يمثلون التشدد الديني والانغلاق السياسي، ويرفضون المشاركة في حكومات الأنظمة الجاهلية. وكانوا فلسطينيي المزاج والهوى. وعارضوا إلغاء قانون مكافحة الشيوعية.
مقابل هذا التيار "العابس" و"المكفهر"، كان "حمائم" الأمس معتدلين في الدين وفي السياسة، وكانت قنوات الحوار والتفاهم قائمة دوما وفي أحلك الظروف والمحطات العصيبة. صعود "حماس"، وتوقيع معاهدة وادي عربة، والضغط الأعمى على الحركة الإسلامية، كانت عوامل أحدثت هزات داخلية غيرت موازين القوى وخدمت "صقور" الأمس.
ويكفي أن نتذكر بأن اعتقال النواب الإسلاميين، وتزوير الانتخابات النيابية والبلدية لإقصائهم، والاستيلاء على جمعية المركز الإسلامي، كل هذه "البلاوي" جاءت في حقبة تولاها المراقب العام السابق سالم الفلاحات (من الحمائم سابقا). مما أضعفه وتياره، وسهل عملية الانقضاض عليه وإزاحته قبل أن ينهي مدة ولايته.
قواعد الاشتباك بين التيارات المتصارعة داخل الحركة الإسلامية تغيرت اليوم؛ بين "التيار الحمساوي" الذي يريد أن تكون أولويات الحركة "الملف الفلسطيني"، وأن يسخر كل شيء لخدمته، مع التسليم بأن "حماس" هي صاحبة "السيادة الشرعية" عليه، وبين "التيار الوطني" الذي يعطي الأولوية لبرنامج الإصلاح الوطني. والتنافس بين التيارين أضاع بوصلة الحركة وشل لياقتها السياسية وقدراتها على التكيف. والموقف من المشاركة في الانتخابات مثال حي؛ فالمقاطعة ربما هي الحل الأسهل والأسلم للخلاص الذاتي.
bassam.haddahdin@alghad.jo
الغد
قبل أن أسرد قصة هذه التسميات، أود أن أشيد بجرأة د. غرايبة وتمرده على القواعد التنظيمية البالية التي تسود في جميع الأحزاب الشمولية على اختلافها، والتي تحظر على العضو الحزبي أن يعبر عن رأيه علنا خارج الأطر التنظيمية، حفاظا على "وحدة العمل والإرادة"؛ هذه المقولة السلطوية البائسة التي تشبه مقولة "الحفاظ على الوحدة الوطنية"، والتي تستعملها السلطات غير الديمقراطية. فحرية إبداء الرأي والنقد العلني لسياسات الحزب وممارساته، تتيح لمجموع أعضاء الحزب والجمهور والرأي العام المشاركة في الحوار، ما يثري النقاش ويعود بالفائدة على الحزب والمجتمع. وهذا الانفتاح يساعد الحزب على التلاقي مع نبض المجتمع وروح العصر.
أما قصة تسميات "الصقور" و"الحمائم" الدارجة اليوم، فيذكرها صديقي النائب السابق محمد أبو فارس. فقد قال قديما، ورددها في أكثر من مقابلة صحفية في معرض رفضه لهذه التصنيفات حينئذ: إنها من صنيعة "اليساري" بسام حدادين.
اعترف بأنني أول من أطلق هذه التوصيفات. وكان ذلك قبل أكثر من 17 عاما. حينها كتبت مقالا في صحيفة "البلاد" الأسبوعية عن صراع الصقور والحمائم في الجماعة. وكنت قد استعرت التشبيه، مع الفارق والاحترام، من صراع الحمائم والصقور في الخريطة السياسية الإسرائيلية حول عملية السلام، إذ كان الصراع على أشده بينهما.
لا أظن أن توصيفات الأمس صالحة اليوم. لا بل غدت مضللة ولا تعكس الواقع. وأدعو إلى سحبها من التداول الإعلامي. فقد شهدت الحركة الإسلامية تحولات كبرى خلال الخمس عشرة سنة الماضية، وطرأ تغير عميق على خطابها وسلوكها السياسي وبنيتها التنظيمية واصطفافاتها الداخلية. وطال ذلك صقورها وحمائمها على حد سواء.
"صقور" الأمس كانوا يمثلون التشدد الديني والانغلاق السياسي، ويرفضون المشاركة في حكومات الأنظمة الجاهلية. وكانوا فلسطينيي المزاج والهوى. وعارضوا إلغاء قانون مكافحة الشيوعية.
مقابل هذا التيار "العابس" و"المكفهر"، كان "حمائم" الأمس معتدلين في الدين وفي السياسة، وكانت قنوات الحوار والتفاهم قائمة دوما وفي أحلك الظروف والمحطات العصيبة. صعود "حماس"، وتوقيع معاهدة وادي عربة، والضغط الأعمى على الحركة الإسلامية، كانت عوامل أحدثت هزات داخلية غيرت موازين القوى وخدمت "صقور" الأمس.
ويكفي أن نتذكر بأن اعتقال النواب الإسلاميين، وتزوير الانتخابات النيابية والبلدية لإقصائهم، والاستيلاء على جمعية المركز الإسلامي، كل هذه "البلاوي" جاءت في حقبة تولاها المراقب العام السابق سالم الفلاحات (من الحمائم سابقا). مما أضعفه وتياره، وسهل عملية الانقضاض عليه وإزاحته قبل أن ينهي مدة ولايته.
قواعد الاشتباك بين التيارات المتصارعة داخل الحركة الإسلامية تغيرت اليوم؛ بين "التيار الحمساوي" الذي يريد أن تكون أولويات الحركة "الملف الفلسطيني"، وأن يسخر كل شيء لخدمته، مع التسليم بأن "حماس" هي صاحبة "السيادة الشرعية" عليه، وبين "التيار الوطني" الذي يعطي الأولوية لبرنامج الإصلاح الوطني. والتنافس بين التيارين أضاع بوصلة الحركة وشل لياقتها السياسية وقدراتها على التكيف. والموقف من المشاركة في الانتخابات مثال حي؛ فالمقاطعة ربما هي الحل الأسهل والأسلم للخلاص الذاتي.
bassam.haddahdin@alghad.jo
الغد