جيشنا العربي اليتيم
في قادم الأيام والسنين، سيقرأ أبناؤنا وحفدتنا تاريخا مخزيا دارت أحداثه في حفر الباطن عندما ساندت بعض الجيوش العربية جيوش الأطلسي في سحق الجيش العراقي الذي كان يعد رابع الجيوش العالمية قوة وفق الادعاء السائد آنذاك. وفي هذه الجزئية لا بدّ من الاعتراف بالخطيئة التي اقترفها بغزو دولة عربية شقيقة هي الكويت. سحق الجيش العراقي وبات العراق رهينا لنعرة طائفية مذهبية لن يشفى منها حتى أكثر من ألف وأربعمئة سنة هجرية أخرى، وأصبح عاجزا عن حماية بيت عزاء أو زقاق. وأمّا الجيش المصري الذي ما تزال وصمة عاره عند غزوه اليمن باقية إلى الآن، فقد تم إشغاله مبدئيا في سيناء، وليس بعيدا أن يتم إلهاؤه وتشتيت قواه لاحقا في حلايب أو السلوم أو النوبة. في حين تحطم الجيش السوري في صراعه الداخلي مع بني جلدته؛ صراع لا رابح فيه ولا خاسر؛ فالكلّ في الفتنة الداخلية خاسر أنّى كانت.
سيقرأ أبناؤنا هذا التاريخ المخزي، ولكني آمل ألّا يقرؤوا يوما أن الجيش العربي الأردني قد غزا سوريا بدعوى نصرة الشعب السوري أو الجيش الحرّ؛ إنه شأن داخلي هناك لاناقة لنا فيه ولا جمل ولا بعير. عهدنا بجيشنا نصيرا لسوريا كما ناصرها في حرب تشرين/ 1973، ولكن أن يغزو هذه الدولة العربية أو تلك بديلا عن الغرب وأطماعه، أو رضوخا إلى جزرة عفنة، أو بيع أرواح النشامى مقابل حفنة من الريالات أو الدراهم، فإنّ جوابنا لهم:
( إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) صدق الله العظيم. ألم تقرؤوا هذه الآية في سورة الحجرات؟ أم لم تسمعوا قوله تعالى في سورة البقرة بأنّ( الفتنة أشد من القتل) وفي موضع آخر من السورة نفسها(الفتنة أكبر من القتل)؟ أيّا كانت صورة الفتنة أو تفسيرها؛ سواء كان المقصود بها الفتنة في الدين، أو الفتنة بين الناس. ودعونا نستذكر ما قاله الحارث بن عباد في رثاء ابنه قائلا:
قرّبا مربط النعامة مني لا نبيع الرجال بيع النعال
إنّ الدور الحري بنا اتباعه هو النصح والإصلاح بين بكر وتغلب بعد أن حاست البسوس وجاست في ديار الشام، أو النأي بالنفس عن الغرق في مستنقع التّدخل بشأن أي دولة كانت مهما سيق من مبررات أو إغراءات أو تلويحات من هذا الفصيل أو ذاك من أحزاب أو تيارات سياسية تتسم بالطيش والنزق السياسي الذي لايقدر توابع هذا الانجرار حق التقدير والتنبؤ. منطقيا، إذا ارتضينا لأنفسنا التدخل في شؤون غيرنا فمن المنطق إذن السماح للآخرين التدخل في شؤوننا الداخلية. وبما أن السوريين أنفسهم منقسمون على أنفسهم بين مؤيد لهذا الطرف أو ذاك، فتلك إذن قضية خلافية لا تتسم بالإجماع، وعليه، لا يجوز البناء عليها في الوقوف مع أيّ من الطرفين. هذا الرأي وغيره لا يقصد به بتاتا تأييد ما يقوم به الجيش السوري من ذبح وتقتيل وتشريد واغتصاب لم تقترفه خنازير البشرية من بني صهيون وأشياعهم.
إذن، فالجيوش العربية ذات الصلة تتوزع بين جيش متهالك وآخر مستنزف، بين جيش متداع وآخر مستبعد. وأما الحركات والفصائل في غزة ورام الله فحدث ولا حرج. وبعد، لم يبق سوى الجيش العربي الأردني يتيما يرقب أشقاءه ينقرض الواحد منها قبل الآخر وبعده. وهنا قد تطرح مجموعة من التساؤلات المشروعة: من سيحمي الأرض والعرض إن غزا جيشنا سوريا، وفي وقت انشغاله هذا ينقض علينا قردة بني صهيون وخنازيرها؟ أليس تدخله هذا سيضعف قدراته عدة وعددا وعتادا؟ هل تعادل أرواح أبنائنا قبضة دولارات أو حفنة ريالات؟ ألم ترضخ جيوش حفر الباطن من قبل، وكان ما كان؟ أمّا أنتم يا مجاهدو الفضائيات والمعابر والمنابر هل باستطاعتكم الذود عن حمى الأردن عند انشغال جيشنا في مستنقع فتنة داخلية لا حرب مع العدو الصهيوني؟
في زمن ساد فيه العمليات الاستشهادية في فلسطين؛ في حافلة صهيونية، أو بيت دعارة أو ملهى هناك، سرت مقولة عن دكتور في جامعة اليرموك/ إربد؛ العبرة في مغزاها لا في تفاصيلها. دخل الدكتور المحاضرة وأخذ يلهب حماس الطلاب في مثل هذه العمليات، وأخيرا وعدهم قائلا: من وجد في نفسه الرغبة فأنا على استعداد لأوصله إلى فلسطين كي يقوم بعملية استشهادية ضد الصهاينة. رفع أحد الطلاب يده عاليا مبديا استعداده. أخذ الدكتور يكيل له عبارات الشكر والامتنان والتشجيع. ولكن الطالب فاجأه بقول: يا دكتور، هل ستدخل معي إلى فلسطين أم توصلني إلى الشريعة( نهر الأردن) وترجع إلى إربد؟
نقطة، ولكن السطر لم ينته بعد!