يا جبر، ستظل جبرا
لا تحلم كثيرًا يا جبر؛ فأبوك لم يكن في يوم ما مختارًا لترث المخترة من بعده، وجدّك لم يكن من قبل باشا لتتسلم راية الباشوية من بعد بعده. اقعد حيث أنت والزم ركنك وزاويتك وقرنتك التي حشرك فيها العمدة، والمختار، والباشا، والبيك. لا تنتظر صرّة لحم من الأضحية، فليس لك والله منها غير العظم والشّبط والسّقط، وإن ابتسم لك الحظّ يومًا فلك الكوارع والمصارين والكرش.
يا جبر، لم يعد الوطن وطنًا لك ولأمثالك؛ الأرض ليست أرضك، والسماء باتت حكرًا على أشخاص وشخوص متنفذين بعينهم. البلد صار مزرعة لبهاء الدين وشهاب الدين، وما لك- والله- غير حاكورة في قرية نائية، أو رجم حجارة في بادية، أو سنسلة من الصّوان والقرطيان والجثّان في خِرْبة خَرِبة.
الأردن، يا عزيزي، مزرعة وهبها عمرو لابنه زيد، والذي سيورثها من بعد لـ(فلاليذ) كبده وأفلاذه. في حين ترقب بقلب حسير ثمارًا قصرت يداك وذراعاك عن التقاط أيّ منها، واكتفيت بالنوى والعجم. ستعيش يا جبر كما عاش أبوك وجدّك، وغدا سيعيش ابنك كما عشت أنت. وكما ارتديت جلباب أبيك الذي ورثه عن أبيه، سيرتدي ابنك الجلباب ذاته الذي ارتديته أنت؛ هي المعادلة إذن، لا تبديل فيها ولا تغيير. فلا تحلم.
يا جبر، الفاسدون يتوارثون المغانم، وأنت ياجبر وسلالتك وذريتك ستتوارثون المغارم ليس إلّا.
يا جبر، إن اقترضت أو استندت لرفع مستواك العلمي والمهني لعلك ترتقي درجة إلى أعلى، فأنت واهم؛ فالسّلم زلق تحت قدميك، لين طرّي يتهادى بانسياب تحت أقدامهم.
يا جبر، سرقوا منك التاريخ وما تلاه من جغرافية؛ هم رموز الوطن وأنت حثالته. لهم النياشين والأوسمة ولك ولأمثالك تلاوة الفاتحة على أرواح الشهداء من أجدادك. سرقوا المياه وسحبوها إلى بركهم في فللهم، وأرغموك على التّيمّم عندما تحين إقامة صلاة. زرعوا الوطن قصورا وفللا وإسمنتا، وما تزال يا جبر مشغولًا بغرس تين وزيتون وياسمين.
يا جبر، لن تكون في يوم ما قنصلًا ولا سفيرا؛ فأبوك لم يكن من قبل ملحقًا ولا قائم بأعمال. لن تكون من أصحاب المعالي ولا السعادة، فهذا ليس كارك ولا كار أبيك. لن تكون أمينا عاما لوزارة، ولا مديرا لدائرة، فدائرة معارفك ضيقة محصورة بجار جنب وجار آخر جنب أيضا. فمن سيوصي بك وجاراك ليسا بافضل حال منك!!
يا جبر، لست قريبا لدولة، ولا صهرا لمعالي، ولا نسيبا لسعادة؛ وما لك ألا أن تلبس وتأكل دون اقتراف خطيئة الحلم أو الطموح، كما الزبرقان عندما هجاه الحطيئة بقوله:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي.
يا جبر، احمد الله تعالى أن تظل جبرا، و(غني بعبك) قبل أن تسطو الذئاب على (جِزْوَكَ) وحاكورتك؛ فجبر سيظل جبرا يا بني.