هل أتينا بالدب الى "كرمنا" عبر الزعتري؟
خلايا نائمة وأخرى صاحية وناشطة, عملاء للنظام الشقيق لا يريدون بنا خيرا, وبهجت سليمان, مسؤول أمني سابق وحالي وسفير فوق كل الأعراف الدبلوماسية في عبدون, يمتد نشاطه الأمني وليس الدبلوماسي, من الدرة وحتى الطرة, ويشكل خطرا حقيقيا على أمننا واستقرارنا, وسلامة ضيوفنا من الأشقاء السوريين.
نعم, الطرة بحرفيتها وظرفها المكاني المحدد. وكلمة السر العملياتية هي "غزل البنات" حيث
قبض أهل الطرة الأردنية على "خلية نائمة" من خلال مجند لأجهزة بشار الاسد الأمنية يبيع شعر البنات ويشتري الكثير من المعلومات التخابرية لصالح دمشق ومستقبل التخريب المخطط لهذا البلد عقابا له على وقفته الانسانية تجاه الهاربين السوريين من موت طائرات ومدافع الممانع الأول.
الى ذلك شكوى دائمة وتذمر من ظروف مخيم الزعتري للاجئين السوريين, وموقعه الجغرافي الصحراوي. لا شك أن مخيمات اللجوء بالعالم لا يمكنها أن تعطي سكانها الراحة والرفاهية ورغد العيش كما تعطيها بيوتهم وأحيائهم ومدنهم التي اضطروا للهرب منها تحت وطأة الخوف على الحياة, ثم أنه لا المنطق ولا الموضوعية ولا التحسبات الأمنية تسمح بإقامة مخيمات للجوء في دابوق او دير غبار مثلا بدل منطقة الزعتري الصحراوية.
الأردن الوطن, الصغير الكبير الذي تحمّل ما لم تتحمله كبار الدول من موجات اللجوء الانساني والسياسي, والسياحي أحيانا والاقتصادي أحيانا أخرى, وكل هذا بإمكانيات لا تكاد تُذكر وموارد شديدة المحدودية تقصُر بالفعل عن تغطية السكان "الأصليين" الذين تقطعت بهم السُبل وذاقوا مرارة الإغتراب في وطنهم, وتخطفتهم أيادي العوز والفاقة فوق ما تبقى من أرضهم.
الأردن الوطن, الصغير الكبير, يضم بين ذراعية 1,2 مليون من اللاجئين الغير شرعيين, حسب تصريحات مسؤولين أردنيين, وهو يعطش صيفا ويبرد شتاء, ولا يجد شبابه عملا يسد الرمق ناهيك عن وظيفة تأمن لهم مستقبلهم.
280 ألف لاجئ سوري, حسب أخر تصريح لوزير الدولة لشؤون الاعلام, يُثقلون كاهل المملكة بما عجزت تركيا العظمى عن تحمله وقبوله عند رقم 100 الف لاجئ فقط, حيث أعلنت حكومتها عن نيتها وقف استقبال المزيد منهم عند هذا الحد.
يوم الأحد القادم يُقاسم 15 الف طالب سوري طلابنا غرفهم الصفّية المزدحمة أصلا, ويقتسمون معهم عُنوة الهواء والماء والمعلمين وزمن الحصة التعليمية, رغم ادعاء بعض مسؤولينا أن هذه الاعداد الوافدة من الطلاب لن تأثر على النوعية التعليمية في مدارسنا.
صحيح أن الأردن له تجربته الغير مسبوقة عالميا والتي لا يمكن أن تتكرر, باستقبال واستيعاب الملايين من خارج الحدود وفي أوقات قياسية ورغم كل الظروف الغير مواتية وشحُ الإمكانيات, وصحيح أن مواطننا "الأصلي" تعوّد أن يكون أنصاريّا فقط, وأبكما فقط عاجزا حتى عن الشكوى وندب الحظ, ناهيك عن مقارعة الحكومة والدولة لوقف هضم حقوقه وبيعها أحيانا بدنانير قليلة تذهب لمن باع وليس لمن بيع, وصحيح أن انسانيتنا وقوميتنا واسلامنا ونزعتنا لعمل الخير والرمي بالبحر, أقوى من أن نشطّ بالمطالبة بوقف هذه المهازل والاوكازيونات الرخيصة لبيع الوطن وتوطين الملايين الجدد, هذا إن لم يكن قد فات الأوان بالفعل لوقف هذا التصحر بالشعور الوطني وحق المواطنة الشرعي وواجب رعاية الدولة الحقيقية لرعاياها ومواطنيها وهنودها الحمر أصحاب البلاد الأصليين, والمهددين بالانقراض, أو الذوبان على أقل احتمال في قدر الطبيخ الخليط الوافد الفوار, الذي يهدد هويتهم ووجودهم. إلا أن مواطننا الأردني العزيز الكريم الحليم الجائع لم يُخلق من أجل العطاء فقط, ولم يُخلق ضعيفا للتلقي فقط وإدارة الخد الآخر للطمة القادمة, مرة من المحتجين السوريين في مخيم استقبلهم ومنحهم بعد الله أسباب الحياة والطمأنينة, ومرة من عملاء الأسد وبهجت سليمان الذين يصرحون بعدوانيتهم ونواياهم البغيضة تجاهنا, ومرارا من حكوماتنا المتعاقبة برفع "دوز" الارهاصات التي لا تنتهي والمتصاعدة على مواطنينا بسبب تجاهلهم وحقوقهم المضمحلة نتيجة سلبهم مواطئ أقدامهم وأوكسجين حياتهم من أجل الوافدين الذين لا يشكرون. دون شفقة أو رحمة, أو مراعاة لعدالة أو مساواة مع القادمين الجدد.
كرماء, نعم, شربنا الحلم ورضعنا الصبر, نعم, نتقاسم ونضحي ونحب الآخرين نعم, نجوع ولا ننهر سائلا او نرد محروما عن بابنا, نعم, نتحمل الضيم والقهر وسوء الحال من أجل مبادئنا الانسانية والاخوة العربية والاسلامية, نعم, نتجرع السم قبل أن نُتهم بعطائنا وحسن ضيافتنا, نعم, نارنا موقدة ترافق الدخيل الى مضاربنا وفوح قهوتنا يدله عليها, نعم, أما أن يُسحب البساط من تحت أقدامنا في وطننا جهارا نهارا بسبب هذه المبادئ والكرامات, فلا والف لا, أما أن يُصار الى التوطين الناعم ومبادلة الوطن من خلال نُبل أخلاقنا وحسن وفادتنا, فلا وألف لا, أما أن نفرغ مخيمات اللجوء الفلسطينية في سوريا هنا فوق الوطن المكتظ أصلا والقابل للانفجار أصلا والعاجز عن استيعاب الزيادة السكانية الطبيعية لهنوده "السمر" فلا وألف لا, أما أن نحمل سفاحا خوفا من الفضيحة والشكوى, فلا والف لا, ولن يكون هذا الا على جُثثنا وأطلال قصور وصروح من يُتاجر بنا ويبيع قدس وطننا الأردني.
رجال الأمن العام والدرك الذين يقاسمون اللاجئين السوريين صحراوية مخيمهم وظروفهم تماما, تحرقهم الشمس وتحرمهم الظروف وانسانية المهمة من دفئ عوائلهم وأطفالهم, تواجههم عدوانية المحتجين ممن اعتقدنا أنهم أخوة لنا هربوا بحياتهم الينا, ويُجرحون من لاجئي مخيم الزعتري, معارضين لبشار الأسد أو موالين, هؤلاء النشامى وصناع التاريخ, هم أبناؤنا وإخوتنا وحماة ديارنا ومن نفتخر بهم وندين لهم بالكثير من أسباب حياتنا, لن نتركهم عُرضة لأذى أحد ولا نهبا لضغينة أحد ونكرانه السافر للجميل.
بواسق النخيل وشواهق السرو والكينا, تموت واقفة لا تحني للريح هاماتها الا تدللا, تعود ثانية للسمو والأنفة, تماما مثلنا نحن أبناء هذه الجغرافيا النبيلة في الوطن الأردني العزيز. نكبو ولا نسقط, نترنح ولا نهوي, ونستقبل الطعنة في الظهر, لكنها لا تكسره فنصفع بالموت من يريد بنا شرا.
كرامتنا وعزتنا وشموخنا لا تحتمل التأويل ولا القتل على مذبح الأخوة والعطاء المستمر, تجف نُبوع شربنا ونشهق النسمة الأخيرة للهواء, ولكن قبضتنا لا ترتخي عن الوطن, وزنودنا وإرادتنا لا تلين بالذود عنه وحمايته من كل المعتدين, فاسدهم ووافدهم.