اللهم إني صائم...
جمال الدويري
جو 24 :
عبارة تتكرر على ألسنة الصائمين والصائمات, في شهر الفضائل والعبادات, شهر الرحمة والاستغفار والتوبة والكرامات, ليس لإعلان واقع الحال, أو جوابا على سؤال, بل بنزق وحديّة وعصبية وصوت عدواني مرتفع, لا يتناسب مع مفهوم الصوم وكرامة رمضان, وربما يرتفع هذا النزق الصوتي والاستفزاز اللفظي, إلى عراك بالأيدي, وربما بآلات شر أخرى, تأخذ بالأطراف إلى ما لا تُحمد عقباه, من الأذى النفسي والجسدي, وربما القضائي.
الصائمون والصائمات, أيها المؤمنون,
(اللهم إني صائم)...نعم أنت صائم, وأنتِ صائمة, وهو صائم, وهي صائمة, وهم وأنتم ونحن صائمون, والجميع صائم, فما المطلوب أيها الأخوات والأخوة؟ عندما تصرخ بوجه أخيك: اللهم إني صائم, وتطلق بوق سيارتك بوجهه, وتستعرض قاموس الشتائم المشين, وربما ترفع (قنوتك) عليه, وتستفزه لمبادلتك هذا (الحب), وحتى تقوم القرعا على أم قرون, منتهكين بذلك حرمة الشهر الفضيل, وكرامة الصوم والعبادة, وأخلاق المؤمن والإيمان, التي نص عليها قرإننا الكريم وسنة الحبيب المصطفى, عليه أطيب الصلاة وأتم التسليم.
(اللهم إني صائم), تقبل الله صيامك وطاعاتك, وهدانا جميعا إلى سبيل الرشد والنهج القويم, ولتقل لي بربك ماذا تريد, ولتفصح لي عن غالي تمنياتك, حتى ألبيها وأصدع بالأمر, هل تريدني أن أتوارى من طريقك؟ أن أمتنع عن مشاركتك الشارع والخباز ومحل البقالة والملحمة والبنك والمؤسسة , وأي مصلحة أو منشأة تتقاطع بها طريقنا, وأخلي لك الأرض والفضاء حتى تتسع نزقك وعصبيتك وعدم التصالح مع نفسك؟ قل لي بالله أيها المؤمن الصائم, يا من تركت الطعام والشراب والشهوات مثلي, صدعا بأمر رب الخلق سبحانه وتشريعه, كيف لي أن أخفف من شوقك غير المدجّن للسيجارة, وآثار الجوع والعطش؟ وهل تنتظر مني مكافأة لك على فعل الصوم, وجميعنا يعرف, أن كل عمل ابن آدم له, إلا الصوم فإنه لله وهو يجزي به, فلا تنتظر يا صديقي من شركائك بالطريق والدكاكين ومقضاة المصالح, منحة أو أعطية أو بساطا أحمر, فإن الله سبحانه وتعالى, قد تكفل بهذا وأكثر, إن نحن أحسنا صومنا, وضبطنا أنفسنا, وتحلينا بالرحمة والمودة, وخلق الصيام وآداب العبادة التي تهذب النفس, وترتقي بالمسلم الصائم إلى رفعة الصوم وعظمة الإيمان, وسماحة الإسلام وتواضعه.
الإخوة والأخوات الأفاضل...
إن مسّك ضيق في الدنيا وحاجات الأهل والعائلة, فقد مسّ غيرك مثله, وإن امتحنك الله بمصيبة أو أمر, فقد امتحن غيرك, ربما بأعصى منها وأصعب, ولكن من تواجههم في طريقك, هم شركاء لك بالإنسانية والعقيدة والصوم, فلا تشقق على نفسك وعليهم, بما يفرغ صومك من معناه, ويجعل من هذا الشهر الفضيل الكريم, شهر معاناة وتجبّر ومعاصي, لا سمح الله, بدل أن تراه كما جعله الله, ميدانا للسباق إلى العبادة الحقة, واقتناص المغفرة من صاحيها الكريم الرحيم سبحانه, وشهر رحمة ويسر بنفسك أولا, وبمن يليك من الأهل والعائلة والجار والقريب والمحتاجين, ومن يشاركك بالأمكنة وقضاء الحوائج.
لقد لبّيت أيها المؤمن الصائم, فريضة الصوم وطقوسها, طاعة لأمر من فرضها, ورأى بها لنا الخير والبركة والصحة, فلتكمل الطاعة والعبادة, بما يرضي الله سبحانه, من خلق كريم, ورحمة بالعالمين, ولا تترك للسيجارة وحبّة القطائف والشيطان, سبيلا عليك, للإنتقاص من صومك, وضررا عليك أنت بغنى عنه.
يسّر على نفسك وعلى غيرك, تلق خير الجزاء وحسن الثواب.
لقد اعتاد احدهم في أيام يفاعه, أن (يدفر) بقدمه الصرار وما يجد أمامه في الطريق, بقدمه إلى الشارع, ثم العكس, ولما سُئل عن سبب هذا وبه أذى للغير وخرقا لآداب الطريق فقال: إني أكسب في كل دفرة حجر إلى الشارع سيئة, وتسعة حسنات في كل دفرة حجر من الشارع, والحسابة بتحسب.
ربّاه...كم هو هذا المنطق اللامنطق, وفهم إماطة الأذى من الطريق, هزيل متهالك ومؤذٍ لصاحبه, بل وجاهل بحسابات الحقل والبيدر, جنّبنا الله وإياكم, الوقوع بشر حساباتنا بين الحقل والبيدر, وتقبل الله صيامكم وقيامكم وطاعاتكم, ورمضانكم كريم مبارك.