مذهلة.. تملأك بالأسئلة
جمال الدويري
جو 24 :
سألني صديق عن حالنا ومآلاته في المستقبل, وأردت ان لا اسهب بالجواب, ان وُجد اصلا, وبعد ايام من الحيص والبيص والبحث والتمحيص, والأخماس والأسداس ووجع الراس, صرخت كالعلماء: وجدتها وجدتها: مذهلة...تملأك بالأسئلة.
غناها فنان العرب من زمااااان, وكأنه يجيب على اسئلة الأردنيين وكل المعنيين بالشأن الأردني, والذين يطرحون الأسئلة: ماذا...ولماذا...وكيف...ومتى...والى اين...الخ؟
لكن...سامحك الله ابا نوره, حتى بعد مذهلة, ما زالت النفوس زاخرة بالأسئلة, وما زال الفضول والخوف على غد الوطن ومستقبل الأطفال والشباب يقض المضاجع ويثير المواجع, وحكوماتنا ومسؤولينا وولاة الأمر فينا...بالعسل.
كذب وتدليس وتسويف وفساد ونهب وسلب وتهميش وشللية وصحوبية وزملاء دراسة وجريدة وسباحة ومحاسيب وأبناء وأحفاد وأولاد وصلعان وبرامكة ودخلاء ومماليك...الخ, والوطن؟ الوطن محشور في باص جانح بلا كوابح, ولا حول له ولا قوة.
الحدود مشاع يحرسها ويسهر على سيادتها وأمنها صيفا شتاء ليلا نهارا, رجال من المؤمنين صدقوا ما عاهدوا الله عليه, ومشاريع شهادة, لا تكاد نهاية الشهر تسعفهم وأطفالهم بالعيش الحاف, ومثلهم حراس الداخل, فمن معارك قاتلة مع تجار المخدرات والسلاح, الى الركبان والبقعة والإرهاب والحاقدين, وقد اضحى الوطن مربط خيل كل شريد او طريد او لا وطن له.
هويتنا...في مهب الريح, يقتنصها كل من نهب وطنه وجاء الينا بسحت او حرام او حمل غسالة اموال وتطهير نجاسة, او يأخذها كل صاحب صوت مرتفع ومطالب بباطل مدعوم او يحمل توصية او بطاقة منفوخ او مستحدث النعمة والوطنية وحقوق منقوصة او زائدة, حسب الطلب. نصدر الجياع الى كل الأصقاع, ونستورد الغرباء والدخلاء والعملاء, حتى أصبح أرذل الناس في الكون, أعز الكون عند ناسنا, يتطاولون علينا ويهددون وطننا بالثبور وعظائم الأمور, بعد ان لبسوا ترس الصهاينة وقبضوا منهم ثمن دماء الشهداء والأوطان.
منذ وقبل كل النكبات والنكسات والوهم, احتج الأرادنة ويحتجون, علهم يحمون وطنهم ويحافظون على وجودهم وكيانهم وتركة أجدادهم, وحاولوا زراعة ربيع مثمر يانع مسالم حريص على كل ذرة تراب وطنية, فكان ما كان, وأغلق الرابع, وسقط الارادنة شهداء من على هوة البرلمان, وامتشق مائة وثلاثون خالد وصلاح الدين واسامة ابن زيد, لا سمح الله, سيوف الخشب على بغال الكذب ومصالح الامتيازات, في مجلس ليس كالمجالس, يعقدون الصفقات ويتبادلون البصمة بالظروف والمناصب والتوظيف, تحت القبة وفي السهرات والدارات والصالونات, وفي شقق التبغ وتحت أزيز الكاميرات في ظل عطور الرواقص الرخيصة والرهائج المستحدثة في كل عصر وأوان.
وابتلي الوطن بحكماء ليسوا بالحكماء, يتقنون الشعارات وعناوين المبادرات ومسميات النهضات, انظلاقا من الرابع, ولكن الجوع هو الجوع, والبطالة هي البطالة, والفقر هو الفقر, والحُزم هي الحزم, والكذب والتدليس ما زال هو نفسه, وعنق الزجاجة لم تزل تخنقنا, واقتصادنا بين غرفة الانعاش والبنك الدولي وإنشاء الرؤساء والصلعان وحك اللحلى وتوزير زملاء السباحة ونقل مخرجات البحر الميت الى اليابان...الخ. وما زالت الهيئات المستقلة والمجالس الوطنية واللجان وتفريعاتها, تشق تراب الخيبة واللصلصة مثل فطر سام, وتفصل على قدر عزم المحاسيب والمكاسيب وذريتهم, وبدل من ازالتها من طريق الوزارات المختصة وعن كاهل الموازنات والمديونية, يدمج بعضها مع المحافظة على مكتسبات اصحابها, خوفا على بريستسجهم وعاداتهم بالصرف والرغد.
قتل زعماء القومية وأبطال الاذاعات والمفوهون اوطانهم بحروب التحرير والتحريك وتجويع السمك, وضرورات المعركة المصيرية, وقتلنا وطننا وجوعناه وبعناه وجنسناه, بقصة (الوطن البديل) و (صفقة القرن) و (قرن الصفقة).
حافظنا على حقوق الحيوان والناموس وصغار الكنغر, ونسينا وتناسينا وأهملنا حقوق الاردنيين وأبناء وأحفاد, من قدموا الدم والعرق والكثير من الخوف والسهر والتعب, فضاقت بهم السبل والوطن, ومنهم من تعثر ومنهم من ينتظر, من استطاع غادر وزاحم فقراء اوطانهم على المقابر والعشش, ومن لم يستطع, فاما في الجويدة او الموقر وغيرهما, او حبيس بيت الدرج وفكرة تغيير المنامة كل ليلة والناس نيام.
ومنهم من لم يعد يؤمن بالاحتجاج والصراخ, ومنهم من لم يعد يستطع الاحتجاج والصراخ, اما لأنه لا يملك ركوبة او بنزينها, او حتى أجرة الباص الى حيث يتجمع المحتجون والصارخون, وان وصلوا, فالرجعة غير مأمونة طريق الحر دائما. منهم من فقد الأمل وضاع حلمه او قُتل, ومنهم من رفع الرايات وقرر الاستسلام, خوفا على عزيز او قريب او زغب حواصل ما زالوا في فجر لم يبزغ بعد.
وحتى لا أطيل, وأكثر من الهذيان والهذربة والتخبيص الحكيم, فأعود للقول: (مذهلة...تملأك بالأسئلة, كل شي فيها طبيعي ومو طبيعي أجمل من الأخيلة).