jo24_banner
jo24_banner

درس أكثر من بليغ

جميل ابوبكر
جو 24 :

مع انطلاقة الربيع العربي وتفجره في تونس سارعت أنظمة عربية عديدة تعلن وهي تتحسس رأسها بأن واقعها مختلف ومحصن ضد التغيير، أو أن شروط الحراك الشعبي في تونس غير متوفرة في المجتمعات التي تحكمها أو تتحكم بها هذه الأنظمة، لكن واقع الحال يشهد بوقوع تغييرات جذرية وعميقه في الواقع العربي السياسي والاجتماعي والنفسي والثقافي، وأن أنظمة سياسة عاتية قد سقطت أو في طريقها إلى السقوط وأخرى قد اتخذت خطوات إصلاحية صغيرة أو معقولة، والواقع يزخر بشاهادات ومشاهد تثير إعجاب العالم وهي تجلي حضارية هذه الشعوب، وشجاعتها الفائقة، وإصرارها على بلوغ الغاية وتحقيق الأهداف، وفي مقدمتها الحرية والكرامة والعدالة.

لقد تمكنت الشعوب العربية في الأقطار التي خاضت فيها معارك ومواجهات التغيير من تقديم نموذج راق ومتحضر وواع بصورة فاجأت العدو والصديق، وأقدمت بفدائية منقطعة النظير وروح نضالية نادرة لإنجاز مهام ثورتها وتجسيد شعاراتها، والتقدم إلى آفاق تطلعاتها بصبر ومثابرة أكدها استمرار الحراك قبل سقوط الأنظمة وبعدها، إدراكاً منها بضرورة مراكمة الإنجاز وحمايته والارتقاء به يوماً بعد يوم، مع تطوير في الأداء والممارسة والثقافة، ولعل المثال السوري، هو الأنصع مظهراً والأعمق دلالةً على توفر الوعي الرائع والإرادة الفذة، فرغم شلال الدم والتضحيات العظيمة، والتآمر الدولي والإقليمي من أطراف داعمة للنظام الدموي ومشاركة له في كل جرائمه، وأطراف أخرى متواطئة تمارس الوعود والخداع تعمل على إطالة أمد القتل والتدمير لإنهاك الشعب والدولة تحقيقاً لمصالحها ولحفظ أمن العدو الصهيوني، ومحصلة الاستراتجيتين والنتيجة الصلبة لهما والماثلة أمام كل ذي عقل هي دعم النظام وزيادة فداحة خسائر الشعب، رغم ما يتبجح به البعض وما يحاولونه من فصل بين سياسات الطرفين ولا يجدون في هذا المشهد إلا ما تختزنه قلوبهم من كراهية للإسلام والحركة الإسلامية تدفعهم لتبرئة هذا النظام القاتل والدفاع عنه، ورغم كل ذلك فإن الشعب متمسك بحقوقه في الكرامة والحرية والعدالة حتى النهاية ، وذلك يؤكد أن صبر الشعوب لا حدود له ، واستعدادها للتضحية أكبر من كل التوقعات ، وإرادتها في التغيير لا تهزم وصور إبداعها لا حصر لها، وسيكون الصراع دوما بين شعب مظلوم ومحق وحفنة متحكمة، مهما كانت إمكاناتها والدعم الخارجي لها فإنها لن تهزم شعباً قد صمم على التحرر والكرامة. إنه لدرس أكثر من بليغ يجب أن يعيه من يظنون أنهم بفتات الإصلاح أو بالتفاف على حقوق الناس ومصالحهم الكبرى، يمكنهم أن يفلتوا من استحقاقات الإصلاح الحقيقي والجوهري، والشقي من وعظ بنفسه والسعيد من وعظ بغيره. ولن يكون الجهد في تقطيع الوقت، والتراجع عن الوعود في الإصلاح والعمل على تضليل الناس المتضررين من الفساد والاستبداد وهم كل الشعب إلا فئة قليلة لن يكون ذلك إلا عوامل تراكم الاحتقان وتمهد للانفجار الذي قد يحصل بشكل لا يتمناه أو يتوقعه أحد.
إن المشهد وتحولاته يحتاج إلى قراءة عميقة مبصرة تستهدي بقوله تعالى: "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد".


(السبيل)

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير