أين القيم إن وجد الإصلاح؟
إن أساس أي مشروع نهضة أو إصلاح أو تغيير هو أخلاق ومبادئ وقيم رفيعة، يقوم عليها بناء هذا المشروع وتتغذى منها بنيته وروحه، وتحدد بها اتجاهاته وعلاقاته مع المؤيدين أو المخالفين ومع الداخل والخارج ومع الماضي والمستقبل.
كما أن مفتاح التغيير الإصلاحي السليم هو الأنفس والقلوب «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، وتغيير ما بالأنفس يعني تغيير مواقف نفسية وقناعات ومفاهيم وأحكام واتجاهات، تشكل جميعاً قوة تغيير ودفع في الاتجاه الجديد الذي ربما كان نقيضاً أو معدلاً لاتجاه أو سلوك سابق، لتحقيق أهداف ومصالح أيضاً جديدة تصطبغ بصلاح وإصلاح مشوق ومنتظر. فإذا كان حسبما يروج الإعلام الرسمي بعناوينه وأدواته المعلنة أو الخفية، بأن مشروع الإصلاح في الأردن قد انطلق وسار خطوات وسيتبعها أخرى، وأن الانتخابات القادمة هي محطته الرئيسة ومفاعيله الأساسية، وإذا كان هذا الادعاء صحيحاً فأين قيم هذا المشروع في التعامل مع المخالف أو المعارض وبخاصة الحركة الإسلامية، بالاعتماد على أن أساس الاصلاح أخلاق وقيم ومبادئ سامية؟ ولم فبركة التقارير والأخبار دون أساس من صحة أو واقعية ضد الحركة والقوى الإصلاحية؟
وكيف يطمئن الناس أن هناك توجهات إصلاحية حقيقية لدى النظام وأجهزة الحكم عندما يطالعون هذه الحملات الإعلامية التشويهية والمختلقة ضد المعارضة أو الخصوم والتي لا تتورع عن المس بالخصوصيات الشخصية والأسرية، وتستغل أوضاعاً أو حالات إنسانية مرضية وبأساليب غير أخلاقية لابتزاز الخصم أو الضغط عليه؟ أليس من قيم الإصلاح العدل والحرية والنزاهة والبعد عن الشخصنة والخصوصيات، والسعي نحو الإقناع واحترام الرأي الآخر وحق الآخر في الاختيار السياسي؟ وأليس من الاستبداد ونقيض الاصلاح الافتراء والارهاب والتشويه والابتزاز والتزوير؟
كيف يثق الناس بأن إصلاحاً قد حصل ولا تزال كثير من الوسائل والأساليب مرتبطة بعهود الفساد والاستبداد ومراحل ما قبل الربيع العربي بكل تجلياته؟ وما هي حال المجلس النيابي القادم إذا كان المال ورجال الأعمال هم الأكثر تأثيراً في تشكيل القوائم الانتخابية المعلنة وغير المعلنة؟ وكم كانت خسارة الوطن نتيجة الاصرار على هذا النهج الفاسد، الذي أفسد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ وكثيراً ما تركن الجهات الموجهة والنافذة للاعلام للهجوم على الخصوم أو محاولة إرهابهم، وتسويق فكرة أو تمرير مشروع معين، وربما أفلح هذا الأسلوب بعض الشيء في فترات ومناسبات سابقة، لكنه بعد الربيع العربي وبعد تغير كثير من مفاهيم الناس وأمزجتهم أصبح أكثر ضعفاً وأقل تأثيراً ويعكس واقعاً متخلفاً ومنغلقاً وفاشلاً في استيعاب المتغيرات والسير نحو مستقبل جديد، معطلاً في ذات الوقت لكثير من الطاقات الكبيرة والقدرات والخبرات الوطنية الهامة، ضارباً للوحدة الوطنية ومفتتاً لقوى الشعب في وقت عصيب وظرف في غاية الدقة والحساسية.
السبيل